24‏/12‏/2013

التجربة الدانيماركية



لا لست هنا بصدد الحديث عن عادل إمام و فيلمه الشهير، و إنما حول تجربة دانيماركية حقيقية في مجال تطوير العمل الحكومي، فقد كنت في جولة استطلاعية لعدد من المؤسسات الحكومية في مملكة الدانيمارك منتصف هذا العام للإطلاع على تجربة المملكة في تطبيق (الادارة الحديثه)، وهي تطبيق نموذج الادارة في مؤسسات القطاع الخاص على مؤسسات القطاع الحكومي تجربة تبنتها الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية منذ سنوات، عندما بدأت بتطبيق مبادئ الحوكمة في إدارة عملياتها، التجربة الدانيماركية طبعا نوذجية بكل ما تعني الكلمة من معنى، و أشك في قدرتنا على تطبيقها في هذه المرحلة على الأقل، لأن أهم عوامل لنجاحها كما رأيت هي القناعات التي تشكلت لدى هذا الشعب حول  ثقافة العمل، التي أعتقد بأنها تقف وراء هذه التجربة النموذجية الفريدة، فمملكة الدانيمارك انشأت وزارة تسمى بوزارة تطوير العمل الحكومي، من أجل التنسيق مع الوزارات الأخرى من أجل رفع كفاءة أداء الأجهزة الحكومية بكافة تخصصاتها، وبهدف تطوير الخدمة المقدمة للمواطن، تضمنت إنشاء نظام جديد لإدارة الأداء يشمل جميع المؤسسات بكافة مستوياتها الادارية، من خلال (إتفاقية أداء) يتم توقيعها بين الحكومة و الوزير المسئول عن القطاع، تتطلب مستوى معين من الأداء و تحقيق أهداف معينة رسمت بدقة في إطار تطوير الخدمات و رفع كفاءة الوزارة، ولدى الوزير فترة محددة عادة ما تكون ثلاث سنوات ليقدم فيها تقريرا عن أداء وزارته، حتى اذا ما فشل في تحقيق الأهداف التي التزم بها أو خالف إتفاقية الأداء الموقع معه، تم إعفاؤه من الوزارة، و الوزير بدوره يقوم بتوقيع اتفاقيات أداء مشابهه مع الموظفين، لضمان الأداء الجيد، أما ثقافة العمل التي تحدثت عنها فقد استقيتها من ردود المسئولين الذين التقينا بهم على أسئلة الوفود المشاركة والتي جاءت من من عدة دول بينها لبنان و عمان و عدد من الدول الأفريقية ، عندما تم استعراض تجربة التفتيش على العمال على سبيل المثال  و كيف أن المفتشين يعملون من منازلهم دون الجاحة إلى زيارة مقر العمل بعد أن تم تزويدهم بجهاز حاسب آلي محمول و ربطهم بالشبكة الداخلية، و قد تم تحديد عدد من الأهداف لكل مفتش عليه إنجازها في نهاية المدة، سأل أحد الحضور: كيف تحفزون المفتشين على العمل، أجاب المسئول الدانيماركي فورا: بأن نعطيهم عملا أو مسئوليات إضافية، عندما رأى نظرة الحيرة في عين السائل بادر بالتوضيح: الدانيماركي يجد متعته في العمل و الانجاز، و كلما شعر بأهمية ما يقوم به كان مستوى رضاه أعلى ، سأله أخر: لكن كيف تعالجون التحايل و الفساد من قبل المفتشين، هنا جاء دور المسئول ليفتح فاه دهشة و استنكارا وهو يتبادل نظرات الاستغراب مع زملائه، و كانه يسمع عن هذا المصطلح للمرة الأولى:  ولكن مالذي يجعل الموظف يتحايل؟  أي أن المسألة بالنسبة لهم غير واردة، وعند استعراض موضوع معاشات البطالة السخية التي تدفع للمواطنين الباحثين عن عملن علق أحد الحضور بأنه بمنحة بهذا الحجم لما قد يلجأ الفرد للعمل، فأنا أفضل أن أبقى في منزلي و استلم هذا المبلغ الكبير، تعليق ايضا لقي استنكار من الجانب الدانيماركي الذي كانت إجابته صادمة لنا، الدانيماركي لا يعمل من أجل المال فقط، لكنه يجد ذاته في عمله، وهذه وحدها على ما أظن ستطلب منا وقتا لا باس به لزرعها في موظفي هذا الجزء من العالم، الذي رغم القوانين و اللوائح و الأنظمة الصارمة المفروضة على اجهزة الرقابة الداخلية في المؤسساتن و الأموال الطائلة التي تصرف من أجل إنشاء وحدات الراقبة هذه ما زال الفساد ز البيروقراطية و التسيب ينخر في مؤسساتها، لاشك ان ما أوصل مملكة الدانيمار لتصل إلى هذا المستوى من التميز في ىداء الخدمة لمواطنيها، وهذا الرخاء الذي يجعلها على قائمة الدول الأوروبية الأكثر تقدما ورخاء إنما جاء من تعزيز ثقافة العمل هذه، و هذا المستوى العال من الولاء الوظيفي، و القناعات التي ترسخت لدى مواطنيها، و هي ثقافة زرعت منذ سن مبكرة جدا لدى الأفراد، فقد هالني جدا شخصيا تعليق أحد المسئولين بعدم رضى الحكومة عن النظام التعليمي في الدانيمارك، تعليق قابلته شخصيا بشهقة كبيرة صدرت مني بشكل لا إرادي، ولسان حالي يقول و هل هناك ما هو أفضل من هذا، لكن مما لاشك فيه أن هناك توازنا رائعا بين الحقوق الوظيفية ايضا و الواجبات وهو ما ساعد على تاسيس هذه الثقافة، فإجازة الأمومة على سبيل المثال في الدانيمارك مقدارها ستة اشهر، يتحول بعدها الرضيع إلى حضانة حكومية لمدة ثلاثة أعوام تتوفر فيها جميع الخدمات التي يحتاجها الطفل في هذه المرحلة، وهو السر في ارتفاع مستوى مساهمة المرأة في سوق العمل الملحوظ جدا، ذلك أنه تهيا لها جميع السباب التي تجعلها تقبل على وظيفتها دون هذا الشعور بالانقسام الذي تشعر به نساء العلام بين واجب الوظيفة و نداء الأمومة.

هناك تعليقان (2):

ناصر العَميري يقول...

عملت مع الدنماركيين لمدة خمس سنوات وهم فعلا شعب محب للعمل ويتميزون بالكفائة والتواضع الشديد مع زملائهم الآخرين...

Unknown يقول...

شكرا ناصر على مشاركتتا التحربه