عندما شرعنا في العمل على صياغة رؤية ورسالة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية التي تشرفت بالعمل ضمن كادرها الإداري قبل عدة سنوات، ظن الكثيرون منا أننا نتحدث عن عبارة رنانة تتصدر منشوراتنا وتسبق اسم الهيئة في وسائل الإعلام المختلفة، لكن ما اكتشفناه بعد ذلك، كان مثيرا للدهشة وكانت تجربة أثرت في حياة البعض منا على جميع الأصعدة وليس الصعيد المهني وحده، بدأ هذا التأثير من اللحظة التي اجتمعنا فيها كفريق كلف بالعمل على هذا المشروع، وقد دعي حينها المكرم خلفان العيسري لإدارة حلقات العصف الذهني، التي امتدت إلى ساعات طويلة ذلك النهار، انتقلنا فيها جميعا إلى المستقبل في لحظات، ذلك المستقبل الذي بدأ مشرقا وبهيجا، سرحنا بخيالنا إلى المستقبل البعيد بكل ما يمثله من أمل وطموح وتحديات، لأول مرة نشعر بأننا جزء من صناعة هذا المستقبل، وفجأة تحولت وظائفنا إلى رسائل ورؤى لا تتعلق بنا وحدنا ولكن بحياة أجيال قادمة متعاقبة، وتأسيس لمفهوم التأمينات الاجتماعية في بلد ما زالت تتعلم أبجدياته، هذه الأفكار التي تعاقبت أمام عيون الكثيرين منا ممن شاركوا في ذلك المشروع، ساهمت في تغيير طريقة تفكيرنا بشكل لم نتصوره على الإطلاق، بالنسبة للكثيرين – وأنا منهم - تغيرت نظرتهم للوظيفة، لتصبح أكبر من مجرد مهام تمارس من اجل راتب آخر الشهر، فقد شعرنا بأننا جزء من حلم كبير يشارك فيه جميع من يعيش على أرض الوطن ومن لم يولد بعد من أجيال مستقبلية، مستوى الرضا ارتفع بشكل كبير عند البعض منا، كان شعورا مذهلا أن نكون جزءا من هذا كله، كنتيجة لهذا التمرين شرعنا في إعداد أول خطة خمسية للهيئة، كان البعض منا يشكك في مقدرتنا على تحقيق الأهداف الطموحة التي تضمنتها، لكن لدهشتنا فإن ما أنجز في أعقاب اعتماد الخطة كان أكبر بكثير مما تم إنجازه خلال ما يزيد عن عقد ونيف من عمر الهيئة، فقد كانت الخطوات اسرع، مشفوعة بخبرات تراكمت عبر السنين، وطموح أججه وجود رؤيا ورسالة، جمعت تحتها جميع كوادر الهيئة بكافة مستوياتهم، والذين اصبحوا شركاء في صناعة هذا المستقبل، بالنسبة لي شخصيا فقد أخذت منه درس قيم فيما يمثله وجود رؤيا واضحة ترتبط بقيم ومبادئ راسخة، ونقلتها إلى حياتي الشخصية، فقد كنت كثيرا ما أضع أهدافا شخصية وأسعى جاهدة إلى تحقيقها لكن ما ألبث أن أتوقف في منتصف الطريق، حتى جاء ذلك التمرين وأعقبه بقراءة متأنية لكتاب الراحل ستيفن كوفي (العادات السبع لأكثر الناس فعالية) والتي أخذني الكاتب من خلالها إلى خطوات وضع الرؤية والرسالة الشخصية، وكما حدث مع رؤية ورسالة الهيئة، شعرت وأنا أصيغ رؤيتي ورسالتي الشخصية بروعة أن تكون لديك صورة واضحة ومشرقة للمستقبل الذي تنشده، خاصة حينما يتحول الهدف إلى هدف أكبر وأعظم من الأهداف الشخصية التي كانت مركزة على (أنا) سواء كان ذلك طموحا مهنيا أو ثراء ماديا أو نجاحا شخصيا، لكن يدرك المرء أن نجاحا فرديا كهذا لا يحقق في كثير من الأحيان الرضا الذي ننشد، فبعد وصول المنصب المرموق، وشراء السيارة الحلم، والمنزل، وتحقيق النجاح المنشود، يشعر الكثيرون بأن هذا ليس هو ما يريدونه أو بالأحرى لم يحقق لهم الرضا الذي توقعوه، لأننا في الحقيقة خلقنا ووضعنا على هذا الكوكب من أجل رسالة أعظم وأسمى من أهدافنا الشخصية الضيقة، كل حسب قدراته ومواهبه التي وزعها رب العزة بيننا بشكل رائع ومتناسق ليكمل كل منا دور الآخر، الجميع يعيشون من أجل أنفسهم وقلة من يعيش من اجل الآخرين، لكن هؤلاء القلة في الحقيقة هم الذين يخلدهم التاريخ، لأنهم أدركوا الرسالة التي وضعوا على هذا الكوكب من أجلها، الرؤية أيضا تؤجج الطموح لدى الفرد وتمنحه دافعا قويا للاستمرار والكفاح، حتى إذا ما خارت عزائمه لجأ إليها فأججت لديه هذا الطموح والنشاط للعمل، لأن المستقبل يعني الأمل، حتى بالنسبة للمتشائمين منا ممن ينظرون إلى شمس الغد بأمل أنها تحمل شيئا جديدا، إنه إحساس رائع ومذهل حقا أن تشعر بأنك جزء من هذا المستقبل سواء لأسرتك الصغيرة أو لمؤسستك أو لهذا الوطن الذي تعيش عليه، والرسالة عندما تصاغ بشكل جيد تصبح كالبوصلة التي توجه المرء للمسار الذي عليه أن يسلكه، حتى إذا ما انحرف عنه يوما كانت له بالمرصاد تذكره بها، لهذا فإنه من الرائع أن تكون لكل منا رؤية ورسالة واضحة، ينظم كل شؤون حياته حولها، ويستقي كل أهدافه منها، فمن شأن ذلك أن يكون دافعا قويا له للمضي قدما، مهما كانت التحديات، ومهما كانت الصعاب التي قد تعترض طريقه من آن إلى آخر، سيتعلم أن ينفض عنه الغبار إن سقط ويمضي مستدلا بذلك الضوء المنبعث من تلك الرؤية النبيلة التي وضعها.
If a man for whatever reason has the opportunity to lead an extraordinary life, he has no right to keep it to himself. (Jacques-Yves Cousteau)
16/12/2013
رؤيتي
عندما شرعنا في العمل على صياغة رؤية ورسالة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية التي تشرفت بالعمل ضمن كادرها الإداري قبل عدة سنوات، ظن الكثيرون منا أننا نتحدث عن عبارة رنانة تتصدر منشوراتنا وتسبق اسم الهيئة في وسائل الإعلام المختلفة، لكن ما اكتشفناه بعد ذلك، كان مثيرا للدهشة وكانت تجربة أثرت في حياة البعض منا على جميع الأصعدة وليس الصعيد المهني وحده، بدأ هذا التأثير من اللحظة التي اجتمعنا فيها كفريق كلف بالعمل على هذا المشروع، وقد دعي حينها المكرم خلفان العيسري لإدارة حلقات العصف الذهني، التي امتدت إلى ساعات طويلة ذلك النهار، انتقلنا فيها جميعا إلى المستقبل في لحظات، ذلك المستقبل الذي بدأ مشرقا وبهيجا، سرحنا بخيالنا إلى المستقبل البعيد بكل ما يمثله من أمل وطموح وتحديات، لأول مرة نشعر بأننا جزء من صناعة هذا المستقبل، وفجأة تحولت وظائفنا إلى رسائل ورؤى لا تتعلق بنا وحدنا ولكن بحياة أجيال قادمة متعاقبة، وتأسيس لمفهوم التأمينات الاجتماعية في بلد ما زالت تتعلم أبجدياته، هذه الأفكار التي تعاقبت أمام عيون الكثيرين منا ممن شاركوا في ذلك المشروع، ساهمت في تغيير طريقة تفكيرنا بشكل لم نتصوره على الإطلاق، بالنسبة للكثيرين – وأنا منهم - تغيرت نظرتهم للوظيفة، لتصبح أكبر من مجرد مهام تمارس من اجل راتب آخر الشهر، فقد شعرنا بأننا جزء من حلم كبير يشارك فيه جميع من يعيش على أرض الوطن ومن لم يولد بعد من أجيال مستقبلية، مستوى الرضا ارتفع بشكل كبير عند البعض منا، كان شعورا مذهلا أن نكون جزءا من هذا كله، كنتيجة لهذا التمرين شرعنا في إعداد أول خطة خمسية للهيئة، كان البعض منا يشكك في مقدرتنا على تحقيق الأهداف الطموحة التي تضمنتها، لكن لدهشتنا فإن ما أنجز في أعقاب اعتماد الخطة كان أكبر بكثير مما تم إنجازه خلال ما يزيد عن عقد ونيف من عمر الهيئة، فقد كانت الخطوات اسرع، مشفوعة بخبرات تراكمت عبر السنين، وطموح أججه وجود رؤيا ورسالة، جمعت تحتها جميع كوادر الهيئة بكافة مستوياتهم، والذين اصبحوا شركاء في صناعة هذا المستقبل، بالنسبة لي شخصيا فقد أخذت منه درس قيم فيما يمثله وجود رؤيا واضحة ترتبط بقيم ومبادئ راسخة، ونقلتها إلى حياتي الشخصية، فقد كنت كثيرا ما أضع أهدافا شخصية وأسعى جاهدة إلى تحقيقها لكن ما ألبث أن أتوقف في منتصف الطريق، حتى جاء ذلك التمرين وأعقبه بقراءة متأنية لكتاب الراحل ستيفن كوفي (العادات السبع لأكثر الناس فعالية) والتي أخذني الكاتب من خلالها إلى خطوات وضع الرؤية والرسالة الشخصية، وكما حدث مع رؤية ورسالة الهيئة، شعرت وأنا أصيغ رؤيتي ورسالتي الشخصية بروعة أن تكون لديك صورة واضحة ومشرقة للمستقبل الذي تنشده، خاصة حينما يتحول الهدف إلى هدف أكبر وأعظم من الأهداف الشخصية التي كانت مركزة على (أنا) سواء كان ذلك طموحا مهنيا أو ثراء ماديا أو نجاحا شخصيا، لكن يدرك المرء أن نجاحا فرديا كهذا لا يحقق في كثير من الأحيان الرضا الذي ننشد، فبعد وصول المنصب المرموق، وشراء السيارة الحلم، والمنزل، وتحقيق النجاح المنشود، يشعر الكثيرون بأن هذا ليس هو ما يريدونه أو بالأحرى لم يحقق لهم الرضا الذي توقعوه، لأننا في الحقيقة خلقنا ووضعنا على هذا الكوكب من أجل رسالة أعظم وأسمى من أهدافنا الشخصية الضيقة، كل حسب قدراته ومواهبه التي وزعها رب العزة بيننا بشكل رائع ومتناسق ليكمل كل منا دور الآخر، الجميع يعيشون من أجل أنفسهم وقلة من يعيش من اجل الآخرين، لكن هؤلاء القلة في الحقيقة هم الذين يخلدهم التاريخ، لأنهم أدركوا الرسالة التي وضعوا على هذا الكوكب من أجلها، الرؤية أيضا تؤجج الطموح لدى الفرد وتمنحه دافعا قويا للاستمرار والكفاح، حتى إذا ما خارت عزائمه لجأ إليها فأججت لديه هذا الطموح والنشاط للعمل، لأن المستقبل يعني الأمل، حتى بالنسبة للمتشائمين منا ممن ينظرون إلى شمس الغد بأمل أنها تحمل شيئا جديدا، إنه إحساس رائع ومذهل حقا أن تشعر بأنك جزء من هذا المستقبل سواء لأسرتك الصغيرة أو لمؤسستك أو لهذا الوطن الذي تعيش عليه، والرسالة عندما تصاغ بشكل جيد تصبح كالبوصلة التي توجه المرء للمسار الذي عليه أن يسلكه، حتى إذا ما انحرف عنه يوما كانت له بالمرصاد تذكره بها، لهذا فإنه من الرائع أن تكون لكل منا رؤية ورسالة واضحة، ينظم كل شؤون حياته حولها، ويستقي كل أهدافه منها، فمن شأن ذلك أن يكون دافعا قويا له للمضي قدما، مهما كانت التحديات، ومهما كانت الصعاب التي قد تعترض طريقه من آن إلى آخر، سيتعلم أن ينفض عنه الغبار إن سقط ويمضي مستدلا بذلك الضوء المنبعث من تلك الرؤية النبيلة التي وضعها.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق