26‏/04‏/2015

تقاعد

Share Buttonالبعض منا يحلم به، والبعض الآخر يخشى اللحظة التي سيجد نفسه مضطرًا لمواجهته، وقليل جدًا من لا يعني له شيئًا، إنه (التقاعد)، وأيا كانت الفئة التي تنتمي إليها، عليك أن تبدأ التحضير لهذه الفترة من حياتك، والتي ستأتي عاجلاً أم آجلاً، رغم أن الكثيرين ممن يصلون سن التقاعد يفضلون الاستمرار في العمل، وهي في الغالب ذات الفئة التي كان حلم التقاعد يراودها من اليوم الأول الذي انخرطت فيه في سوق العمل، إما لأنهم فشلوا في التخطيط له، بالتالي لم يدخروا ما يكفي لتوفير التزامات أسرهم، أو أنهم يفضلون الاحتفاظ ببعض المميزات التي تمنحها جهات العمل، ولكن في الغالب لأنهم يحبون عملهم وزملاء العمل، وإن كان الغالبية لا يدركون ذلك إلا عندما تحين تلك اللحظة التي يفكرون فيها جديا في التقاعد وترك الوظيفة، خاصة وأن فترة التقاعد أصبحت تستمر لفترة أطول مع ارتفاع معدل الحياة، فالعماني الذي يتقاعد عند الستين، يتوقع أن يمضي سبع عشرة سنة في هذه المرحلة بعد أن وصل متوسط سن الرجل إلى 78 سنةً والمرأة إلى 80 سنةً في السلطنة، مما يعني أن عليك التفكير فيما ستفعله خلال هذه السنوات، إضافة إلى التجارة التي يحلم الجميع تقريبا بالانخراط فيها بعد التقاعد، ذلك أن التجارة لها متطلباتها التي قد لا تتوفر فيك، وأولها الشغف والاهتمام والخبرة، فمن الضرورة بمكان أن تقضي ما تبقى من عمرك بعد تحررك من الوظيفة في ممارسة نشاط تحبه، ويحقق لك الرضا، ويتناسب في ذات الوقت مع قدراتك ومواهبك، حتى لو لم يحقق هذا النشاط عائدًا ماديًا، كالتطوع الذي يشكل خياراً مفضلاً للكثيرين بعد التقاعد لما يمنحه للمرء من رضا وسعادة لا يجدها المرء إلا في العطاء، البعض يلجأ لاستغلال الخبرات والمعارف التي تراكمت لديه عبر السنين في ممارسة أنشطة أخرى مثل التدريس أو التدريب أوالكتابة، وغيرها من الأنشطة التي ستمنحك شعورًا بالرضا، وستتيح لك البقاء على اتصال مع الناس وهو ما يلبي أشد احتياجات المتقاعد، وهو التواصل الإنساني مع الآخرين، على كل فإن التقاعد هو مرحلة جديدة، تملك فيها السيطرة على وقتك و بالتالي أنشطتك اليومية، تنام متى تشاء وتستيقظ متى شئت، وتسافر متى رغبت دون انتظار إذن بالخروج في إجازة سنوية، لكن، هذا لا يعني أنها مرحلة سكون وخلود للنوم وربما هذا هو أكثر ما يفزع المقبلون على التقاعد والذين كانت الوظيفة تشغل حيزًا كبيرًا من اهتمامهم، لذا فهم يتخيلون بأن الحياة دونها ستكون مملة وقاتلة، إلا أن هذا ليس بالضرورة أن يكون صحيحا، ولا يجب أن يكون كذلك، وإلا تحولت الحياة إلى سجن كبير، وأصبحت عرضة للوحدة والملل والكآبة، من الأمور التي يغفل أيضا عنها الكثيرون هو التحضير للتقاعد ماديًا، بحيث يضعون كل آمالهم على المعاش التقاعدي الذي لم يصمم أصلاً ليكون بديلاً عن الراتب، وإنما صمم لتوفير الحد الأدنى من مستلزمات المعيشة، لذا فمن الضرورة بمكان أن تحصر مصروفاتك الأساسية دون أن تغفل المصروفات الطارئة وتضع لها سقفا محددا، إذا كان معاش التقاعد لا يغطيه فلا شك أنك بحاجة لتعويضه بطريقة أخرى، وهنا يأتي دور خطط الادخار والاستثمار، التي يغفل الكثير منا عنها حتى إذا أوشك أن يبلغ سن المعاش بدأ في سباق محموم مع الزمن للادخار، وفي كثير من الأحيان لا يسمح الوقت ولا الالتزامات بذلك، ذلك أنك كلما تأخرت عن التخطيط للتقاعد ستضطر أن توفر أكثر في زمن أقل وهو أمر قد لا تسمح به ظروفك حينها، لذا ينصح الخبراء دائمًا بأن يبدأ المرء في الادخار في سن مبكرة، مبالغ صغيرة جدًا قد تبدأها بـ10% من دخلك الشهري ثم ترفعها تدريجيا كلما زاد دخلك، وهذه أحد أهم قواعد صناعة الثروة التي نص عليها الكتاب الأشهر في إدارة الثروات (أغنى رجل في بابل)، ذلك أن الاعتماد على معاش التقاعد وحده لم يعد آمنًا في زمن باتت تعصف به الأزمات المالية، حيث لم تعد تلك الثوابت التي تعلمناها بأن صناديق التقاعد لا يمكن أن تتعرض للإفلاس، بعد أن شهدت السنوات الماضية إفلاس دول وعدد من صناديق التقاعد العريقة التي جعلت شرائح كبيرة من المجتمع خارج التغطية التأمينية في فترة هم أحوج ما يكونون لها، وإن كنا ولله الحمد في مأمن من ذلك -على الأقل- هذه الفترة بسبب حداثة صناديق التقاعد ومتانة السياسات المالية للدولة، إلا أن هذا لا يعفينا من الادخار لتغطية الفرق على الأقل في الدخل بين الراتب والمعاش، حتى يستطيع المرء أن يتقاعد دون أن يضطر أن يضحي بالمستوى المعيشي الذي كان يتمتع به قبل التقاعد، مع الأخذ في الاعتبار بأن المصروفات ستقل عند البعض بعد أن يكبر الأبناء ويستقلون بحياتهم، التقاعد من الوظيفة سيقلل أيضًا الحاجة لبعض المصروفات المتعلقة بالانتقال للعمل والملابس وغيرها.
 

ليست هناك تعليقات: