16‏/03‏/2015

ماذا أريد؟

ايرل نايتنغيل عرف السعادة بأنها (التقدم في سبيل تحقيق هدف أو رسالة سامية يسعى لها المرء)، ذلك أن الحياة بلا هدف تصبح حياة باهتة ومملة فعلا، إذ أن أهم احتياجات الإنسان الفطرية هو في شعوره بأن لحياته معنى وهدفا يسعى دائما للوصول إليه، لذا تجد تلك الفئة من الناس التي تعيش حياتها (على البركة) دائمة الشعور بالملل والفراغ، لأنها تعيش كريشة في مهب الريح تسيرها الظروف والأحداث اليومية، يستيقظ المرء منهم يمارس على الدوام المهام الروتينية اليومية ذاتها التي تفرضها طبيعة حياته، ولا يختلف الأمر كثيرا في بيئة العمل، إذ يمارس المهام التي ستوكل إليه ذلك اليوم إذ ما قرر مسؤوله المباشر أن يسند إليه أعمالا وإلا بقي ضحية الملل والشكوى والتذمر، مثل هذا الشخص يترك حياته للآخرين ليخططوها نيابة عنه، لهذا تفقد حياته معناها، فلا شيء مثل الهدف يعزز روح الحماس والطموح في الذات البشرية، فالهدف فضلاً عن كونه يعطي للحياة معنى، ويعزز من الشعور بالرضا والسعادة، فهو يعطي شعوراً بالأمان ناتجاً عن الوضوح في الخطوات التي رسمها لنفسه، في زمن أصبح القلق على المستقبل من أكثر ما يثير مخاوف المرء، ويزيد الإنتاجية في جميع مجالات الحياة، ويضاعف الإحساس بقيمة الوقت، جميعنا نعرف ذلك وجميعنا أيضا ندرك أهمية أن يكون لدينا هدف واضح في الحياة، على أساسه نرسم مسارنا ونحدد خطواتنا، إلا أن الكثيرين منا يفشلون في التخطيط لحياتهم إما جهلاً بطريقة رسم الهدف وإما خوفاً من الفشل أو إما النقد الذي عادة ما يأتي على قائمة أسباب فشل الإنسان، وكلا السببين يمكن تجاوزهما فالجهل يمكن اليوم في زمن المعرفة أن يتخلص منه المرء من خلال تثقيف نفسه في طرق رسم الأهداف، وكذلك الخوف هناك طرق كثيرة اليوم تساعد المرء على تجاوز مخاوفه، فيما يتعلق بطرق رسم الأهداف فإن جميع الخبراء يتفقون على مجموعة من السمات التي يتميز بها الهدف ليكون قابلا للتحقق أولها طبعا أن يكون هدفا واضحاً، محدداً، ومفصلاً ومكتوباً، لأن الهدف غير المكتوب لا يتعدى أن يكون أمنية، والأمنية يمكن أن تتحقق ويمكن ألا تتحقق، إضافة إلى ضرورة أن يكون قابلاً للقياس، فعندما تضع هدفا بأن تكون ثرياً على سبيل المثال، فهذا لا يعتبر هدفاً إلا إذا حددت معنى الثراء بالنسبة لك، كمقدار المال الذي تحتاجه ليولد لديك الشعور بأنك أصبحت ثرياً، ذلك أن هذا يختلف من إنسان إلى آخر، لذا يتوجب أن تضع رقماً محدداً، أيضا من الضرورة بمكان أن تضع مدة زمنية لتنفيذ هدفك، فكونك تريد أن تضاعف دخلك ليس صعباً، فمن الطبيعي أن يتضاعف دخلك بعد عشرين سنة من العمل أو عشر سنوات نتيجة علاوات دورية وترقيات ورفع الرواتب، فهل هذا هو ما تريده حقاً، وحين تحدد موعداً لتنفيذ الهدف فهذا الموعد تقديري، بمعنى أنه من الجائز جداً أنك لن تحقق هدفك خلال تلك المدة لاعتبارات عدة، لكن يمكنك دائماً أن تغير موعد التنفيذ، وإذا كان هدفك كبيراً ويشمل مراحل متعددة بإمكانك أن تضع موعداً لكل مرحلة على حدة، وأهم من كل ذلك أن يكون الهدف ينطوي على تحد، فلا جدوى من وضع هدف سهل يمكنك أن تحققه في غضون ساعات قليلة تبقى بعدها بدون هدف، بل عليك أن تضع هدفا أصعب من أي شيء سبق لك أن قمت بعمله، فالهدف إن لم يضف لك شيئا على صعيد القدرات والمهارات فهو غير ذي جدوى، شريطة ألا يكون تحقيقه صعب المنال، بحيث تكون لديك احتمالية 50% لتحقيقه، هذا يجعل الرحلة باتجاه الهدف فيها شيء من التحدي وربما الصعوبة، لكن المهم ليس تحقيق الهدف بقدر أهمية ما ستصبح عليه أثناء هذه الرحلة، فكل خطوة للأمام شعرت يوما أنك لن تستطيع أن تخطيها، ستعزز ثقتك بنفسك، وتمنحك دافعاً لاتخاذ الخطوة التي تليها، ذلك الشعور بالترقب والفضول هو ما سيمنحك شعوراً رائعا بالإثارة والمتعة يفتقده أولئك الذين يعيشون حياتهم بلا هدف، وفي جميع الأحوال يجب أن يكون هدفك متفقا مع قيمك ومبادئك التي تؤمن بها، حتى لا يتحول إلى عبء على ضميرك، يضج مرقدك، مع عدم الإخلال بالتوازن بين جوانب حياتك المختلفة، حتى لا يطغى جانب على آخر، لذا دائما احرص على وضع أهداف لكل مجالات حياتك المهنية، والمالية، والعائلية، والروحانية، والذهنية، والاجتماعية، والصحية، لأنك قد تحقق الثراء الذي تطمح إليه، والرفاهية التي تسعى إليها، قد تملك سريراً كبيراً ومريحاً لكنك إن عجزت عن النوم فيه بسبب القلق والأرق، أو الوجع فلن يكون لذلك السرير قيمة عندك حينها..

ليست هناك تعليقات: