02‏/03‏/2015

الطريق إلى السعادة

يصغر كثيراً حجم بعض الأمور التي كنا نراها كبيرة عندما يتقدم بنا العمر، ولا يصبح لبعض الأمور ذات المعنى أيضاً، يدرك المرء منا متأخراً أحياناً بأنه أفنى سنوات من عمره يلهث وراء سراب اسمه السعادة، دون أن يدرك بأنه خلط كثيراً بين السعادة والمتعة، ذلك أننا نكتشف عندما نكبر بأن السعادة هي الطريق وليست الهدف، وهو أمر كان من الصعب أن ندركه في ركضنا المتسارع ورغبتنا الجامحة في طي السنين طياً، ذلك أن السعادة كانت دائماً فيما لم نحققه بعد، وفيما لم نملكه بعد، وهذا غالباً ما كنا نتصور أنه سيحدث في يوم ما من المستقبل، الأمر الذي لا يتيح لنا التركيز على الحاضر، حيث الحياة الحقيقية التي نعيشها، فيمضي العمر بنا متأرجحين بين ألم ذكريات الماضي وقلق على ما يحمل المستقبل، فيما اهتمامنا منصب على الدوام على العمل والإنتاجية ومزيد منها، لأننا حددنا معنى للنجاح هو في امتلاك المزيد والمزيد من الماديات، فتقلص حجم الروحانيات في حياتنا، وكادت أن تختفي الغيبيات منها، كدنا أن ننسى الهدف الذي خلقنا من أجله، فكم مرة سأل المرء نفسه عن سبب وجوده على هذا الكوكب، وما الذي فعله بالتالي تحقيقا لذلك، عندما نتفكر في هذا تصبح الأشياء الصغيرة هذه غير ذات شأن، لن نسمح لكلمة عابرة قالها صديق أن تعكر مزاجنا لو أننا عشنا اللحظة، ورفضنا البقاء في اللحظة التي قيلت فيها تلك الكلمة العابرة، نستعيد المشاعر التي سمحنا بها مراراً وتكراراً، هي مجرد لحظة عابرة، ستمر ولن تكون لها ذكرى بعد سنوات من الآن وربما بعد شهور، العالم من حولك يعيش صراعات من الحروب والمجاعات والفتن، ورغم ذلك تستمر الحياة فما بالك بحياتك أنت، أنظر كم من البشر عاش على هذا الكوكب ومضى، وكم منهم يعيش اليوم، هل توقفت لحظة لتفكر ولو للحظة كيف يعيش سجين عراقي في سجون الاحتلال، كيف تمر به اللحظات، كيف تمر اللحظات بأمه، بطفلته، كيف تعيش أم في بلاد تقع تحت وطأة المجاعة، وأنت تفسد حياتك بسبب كلمة تافهة قيلت أمامك، الحياة زائلة بكل ما فيها ومن العبث أن نفسدها في توافه، تذكر ذلك الرضيع الذي كنته، أو ذلك الطفل في السادسة من عمرك وأنت تخطو أولى خطواتك إلى المدرسة، ذلك المراهق القلق، أين ذهبوا؟! كذلك ستذهب أنت ولن يبقى من أيامك هذه سوى ذكرى عابرة، فتعلم كيف تتقبل لحظات التعاسة العابرة التي تمر بك، كما تتقبل اللحظات السعيدة، وعوضاً عن سؤال نفسك على الدوام، لما عليّ أنا أن أتحمل بذاءة ذلك الصديق، ولما عليّ أنا أن أحرم من الترقية، ولما أنا بالذات عليّ أن أعاني من المرض، غير دفة السؤال إلى لما أنا بالذات أنعم الله عليّ بالبصر، لما أنا من دون خلق الله أولد في عمان، وفي هذه الفترة من عمر النهضة ، لما أنا بالذات لدي سيارة تقلني إلى حيث أريد، ربما عندها ستشعر بقيمة ما أنت فيه، اللحظات التعيسة هي التي تعطي للسعادة طعمها، والضائقة المالية التي تعصف بك أحياناً هي ما تعطي للثراء قيمة عندما يحل بك، فبضدها تتميز الأشياء، لا شيء ثابت يا صديقي، ستمضي لحظات البؤس سريعاً وستصبح مجرد ذكرى مهما بدت لك طويله، فقط استرجع حياتك وأحداثها، أكثر من الابتسام في وجه الظروف الصعبة، وسيصبح حينها الابتسام عادة، وستجد تدريجياً أن حولك الكثير من أسباب الابتسامة، ابتسم كطفل لم يعرف بعد معنى الخوف من المستقبل أو الحزن على الماضي، هل رأيت كيف يبتسم الطفل، وهل تذكر كم مرة كنت تبتسم فيها عندما كنت طفلاً، الدراسات تشير إلى أن الطفل يبتسم في المتوسط 400 مرة في اليوم، ويقل هذا العدد ليصبح 17 مرة لدى المراهقين، ثم يبدأ في التلاشي تدريجياً لدى الكبار، لأن مكالمة هاتفية عارضة، يمكن أن تفسد يوم الكبير بالكامل، كلمة غير مقصودة، لما عليك أن تمنح الآخرين مفتاح مشاعرك يديرونها متى شاءوا وحيث شاءوا فرحاً وحزناً وغضباً، إن تلك الكلمة العابرة التي سمحت لها أن تكدر صفو يومك ما هي إلا نفايات امتلأ بها صدر صاحبك وقذفها إلى الخارج، وشاءت الصدف أن تكون حاضراً وتتلقفها، اجعل ابتسامتك رخيصة للغاية وغضبك غالي الثمن، فمشاعرك أنت من يسيطر عليها، بيدك وحدك أن تغضب وأن تحزن، فلا تتخلى عن هذه المسؤولية للآخرين يسيرون مشاعرك حسب هواهم، لأنك متى ما سمحت لهذه المسؤولية أن تتسرب من بين يديك رويداً رويداً، أصبحت ضحية دائمة للآخرين، وعش كبيراً للغضب والإحباط، لأن أي حركة بسيطة يقوم بها أحدهم ستكون كفيلة بأن تفسد عليك سعادتك، السعادة غالية جداً، لكنها أبدا ليست مستحيلة، إنها في متناول يديك، ارفع شعار مهما حدث لن أتنازل عن ابتسامتي وامض.

ليست هناك تعليقات: