16‏/02‏/2015

حلم تحول إلى حديث روح

سبق أن كتبت مقالات حول البرنامج الإذاعي حديث الروح قبل أشهر، مسجلة فيه انطباعاتي الشخصية حول المذيعة الشابة نايلة بنت ناصر البلوشية، وضيوفها ممن تأثرت بقصصهم التي رووها بصدق وحنين عجيب جعل الكثيرين من متابعي البرنامج متسمرين على مدى ساعات أمام أجهزة المذياع يتابعونها في شغف، لكن الجمعة الماضية التي صادفت الثالث عشر من فبراير وهو الذي خصص للاحتفال باليوم العالمي للإذاعة، أتيح لي أن أرى نايلة بعيون متابعيها، وأهل مدينتها (المصنعة) التي قررت أن تحتفي بها في ذلك اليوم، كنت على وشك الاعتذار عن الأمسية التي دعيت لها، لطول المسافة التي سأقطعها وصعوبة التوقيت بالنسبة لي، إلا أن وجود الكاتب والروائي الشاب سليمان المعمري في الأمسية أغراني بالمشاركة، فهذا الشاب يثير فضولي، لسبب أجهله، هذا الفضول الذي دفعني للمشاركة في الأمسية إلى جانب كوني معجبة بالمذيعة الشابة فوجدتها فرصة، أن أكون موجودة بينهما، وهو قرار لم أندم عليه مطلقا، فقد كانت أمسية جميلة قضيتها في ضيافة الشبكة الثقافية لشباب نادي المصنعة الرياضي الثقافي، التي تضم نخبة من أروع شباب الولاية، ممن تطوعوا بالاحتفاء بابنة ولايتهم بكثير من الفخر الذي وشت به ملامحهم وهو يتابعون الحوار، ويصغون بانتباه إلى انطباعات الحضور عنها وعن البرنامج، وكأن النجاح كان نجاحا خاصا بكل منهم، كنت سعيدة وأنا ألمح تلك الابتسامات وتلك النظرات الفرحة التي لم تضطر إلى تصنع الرضا عن نجاح إحدى بنات المصنعة تلك الولاية التي أعطت الإعلام العماني ألمع نجومه، إلا أن ما كان يهمني كمهتمة في موضوع التنمية البشرية، التي تدور حولها موضوعات هذه المقالة الأسبوعية، هو رصد سيرة النجاح، بدءا من الشرارة الأولى أو (عود الثقاب) كما وضعها أحد الحضور في سؤال وجهه للمذيعة الشابة، حول الشرارة الأولى التي ولدت لديها فكرة البرنامج الذي اكتشفت بأنه فكرتها، ونتاج حلم طويل راودها حتى قبل أن تفكر في العمل الإذاعي، هي التي ما زالت تمارس العمل التربوي في وزارة التربية والتعليم، إلا أن عشقها للإذاعة وشغفها بمتابعة برامج حوارية في الإذاعات العربية تدور حول شخصيات مؤثرة قد لا يعرف الناس عنها، أوحت لها ببرنامج حواري تستضيف فيه شخصيات عمانية ذات تجارب ثرية، لتنفض الغبار عن ذكريات رائعة أوشكت أن تتوه في الذاكرة، وقصص نجاح عملاقة أرادت أن يعرف بها هذا الجيل، لتقدم له قدوات رائعة ونماذج نجاح مشرفة يحتذى بها، قصة نايلة التي سمعتها تأكيد لما أوردته مرارا وتكرارا في هذه الصفحة بأن كل ما حولنا من إبداعات وإنجازات واختراعات إنما هي نتاج فكرة، كانت وليدة لحظة، لكنها رسخت في الذهن، وأجبرت صاحبها أن يخرجها إلى حيز الوجود، فكرة قد تبدو للوهلة الأولى مجنونة، مستحيلة وغير واقعية، لكن إيمان صاحبها بها، وإصراره على تنفيذها سهل له جميع وسائل النجاح لترى الفكرة النور، ليس مهما كيف ستنفذ، ولا من أين ستتوفر لها الإمكانيات، ليس مهما أن تكون موظفاً في وزارة التربية والتعليم، وتفكر في برنامج حواري، ينفذ عن طريق وزارة الإعلام، وليس مهما أن لا تكون لديك خبرة أو مهارة التحدث أمام ناقل الصوت، كل ذلك يهون أمام إلحاح الفكرة، التي سيجد العقل مئة طريقة وطريقة لإخراجها إلى حيز الوجود، إذ ما توافرت لها شروط النجاح، وهي الشغف والإصرار وعدم الاستسلام، إضافة إلى الصدق، نايلة فاجأتني وهي تعترف بأنها فكرت في البرنامج وأعدت له وخططت له في عام 2008م، لكن عدو النجاح الأول وسبب جميع الإخفاقات وجد طريقه إليها، وحاول أن يثنيها عن عزمها في تنفيذ الفكرة، ذلك العدو ما هو إلا الخوف من الفشل، الذي يقف على قائمة أعداء النجاح، والذي بسببه ماتت الكثير من الأفكار ودفنت في مقابر الموتى مع صاحبها، لأنه لم يتجرأ أن يظهرها إلى حيز الوجود، ذلك الخوف الذي تقض مضجع نايلة لشهور طويلة وهي تصارع تلك الرغبة الجامحة في تنفيذ فكرتها، وخوفها الشديد من الفشل بالدرجة الأولى في تنفيذ الفكرة، بسبب عدم ثقتها في كونها تستطيع أن تقف وراء ناقل الصوت وتخاطب ملايين البشر على الهواء مباشرة، وخوفها من معارضة أسرتها المحافظة من طرقها لباب الإعلام الذي ما زال العمل فيه يواجه معارضة من قبل بعض الأسر بالنسبة للبنات، لكن نايلة أثبتت صحة مقولة أن 80% مما نخشاه لا يحدث فعلا، وأن مخاوفنا ما هي إلا أوهام أقنعنا ذواتنا بصدقها، فقد كسرت نايلة خوفها من ناقل الصوت من اللحظة التي جلست فيها خلفه، وكسبت شهرة واسعة لا أعتقد أنها تدرك مداها في سنوات قليلة من تجربتها الإذاعية، لم يصلها غيرها ممن سبقها في العمل الإعلامي بسنوات، ولم تعارض أسرتها قرارها بل كان أفرادها هم أول من وقف خلفها وشجعها، وقدم لها الدعم الذي تحتاجه، لتثبت لنا هي وضيوفها أن النجاح لا يولد صدفة، وأن الأحلام ليست مستحيلة، جاءت نايلة وضيوفها ليعيدوا لنا الأمل في تلك الأحلام الصغيرة التي ما زالت تنتظرنا لنخرجها إلى حيز التنفيذ عندما نكسر حاجز الخوف الوهمي الذي وضعناه بيننا وبينها.
hamdahus@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: