09‏/02‏/2015

هل تعرفون عذراء؟!

Share Button
غيب الموت مساء الخميس الماضي زميلتنا الشابة (عذراء الهدابية) بعد صراع طويل مع المرض، رغم ذلك جاء موتها صدمة لمن حولها، فوحدهم المقربون منها كانوا يعلمون عن معاناة عذراء الطويلة مع مرضها، البقية ما كانوا سيشكون لحظة بأن تلك الابتسامة المرسومة على الدوام على وجه تلك الصغيرة تخفي وراءها ذلك الكم الهائل من الألم، فقد أرادت لنفسها أن تكون مصدر فرح دائم لمن حولها بخفة دمها ومرحها الدائم أثناء حياتها القصيرة بينهم، في آخر يوم لها في العمل قالت لزميلتها التي كانت تستعين بها لتوصيلها للمنزل عندما يتغلب عليها الشعور بالألم: محظوظ ذلك الانسان الذي يستطيع أن يترك ذكرى طيبة من بعده، كانت تعمل في إحدى الدوائر الخاضعة لإشرافي المباشر والتي خسرت اثنين من أعضائها خلال السنوات القليلة الماضية، أخذهم المرض على حين غرة، لكن المؤسف في الأمر بأنني عندما كنت اسأل ما إذا كنت أعرف عذراء، كنت أتوقف قليلا للتذكر، وتفزعني حقيقة الإجابة على هذا السؤال فأنا لا أعرف عذراء، ولا أعرف الكثيرين ممن حولي في المؤسسة، صحيح أنني أعرف ملامحهم، أعرف حتى أسماءهم الرباعية أحيانا، لكنني لا أعرف الأرواح التي تسكن خلف تلك الملامح، لم يتسن لي الاقتراب لمعرفتها أكثر، بعد أن كبر حجم المؤسسة وتزايد عدد موظفيها بشكل كبير ومتسارع، وتوزعوا على فروعها الاقليمية في المحافظات، حتى بتنا بالكاد نتذكر أسماء بعضنا البعض، خلافا لما كنا عليه عند نشأة الهيئة، حيث كان عددنا صغيرا للغاية، يجمعنا حيز مكاني صغير ايضا بما يسمح بالتواصل الانساني طوال فترة تواجدنا في المؤسسة، اليوم بتنا نتقابل صدفة أثناء تنقلنا بين الطوابق المتعددة للبناية الضخمة التي باتت تجمعنا، لذا ما عدنا نستطيع أن نجيب بسهولة على السؤال، ما اذا كنا نعرف زملاء لنا يجمعنا بهم هذا المبنى الضخم وانتماؤنا لذات المؤسسة وربما لسنوات طويلة، لكن القدر دائما ما يفعل معي الأمر ذاته، فقبل موعد رحيلهم يقربني منهم بشكل عجيب، فمحمد الذي اختطف المرض روحه قبل عقد قرانه بيوم واحد، وضعه القدر في طريقي قبل موته مباشرة بعد انضمامه لبرنامج التوستماسترز الذي جمعنا سويا، وفي الوقت ذاته كان ضمن فريق عمل آخر كنت أترأسه، مما سمح لي بالاقتراب منه والتعرف عليه عن قرب، فقط ليأخذه الموت بغتة واشعر أنا بالفجيعة وأتمنى لو أنني لم أقترب منه يوما، كذلك وضع القدر عذراء في مجموعة من الموظفات شاركن في فعاليات اليوم المفتوح لموظفات الهيئة قبل اسابيع قليلة من وفاتها، حضرت بصحبة شقيقتها التوأم، ولم أستوعب حتى انتهاء الفعالية بأنني كنت أتعامل مع فتاتين لا واحدة، نتيجة الشبه الكبير بينهما، كانت مرحة بشكل استثنائي تقفز كطفلة، وابتسامتها لا تفارق وجهها على الاطلاق، بعدها بأسابيع فقط اختطفها الموت، ولم يبق منها إلا ذكرى ابتسامتها، سبحان الله يصبح للموت معنى آخر عندما يكون الشخص الميت شخصا تعرفه عن قرب، ويجعل موت الفجأة للصغار أمثال محمد وعذراء تراجع ذاتك وعلاقتك بمن حولك، وتصغر خلالها حجم الخلافات مع من حولك، وأنت تدرك أنه قد يأتي اليوم سريعا ذلك الذي لن تجدهم فيه حولك، أصدقاء كانوا أم أصدقاء قررت أن تصنفهم من ضمن الأعداء، أحيانا كثيرا ليس سوى لأنهم يرون الأمور من زاوية مختلفة عن تلك التي تقف فيها، اختلاف وجهات نظر لا أكثر لم تستطع القلوب أن تستوعبها، فضاعت علينا فرص اكتشاف أرواح جميلة من حولنا كان بوسعها أن تملأها بهجة وفرح، وسمحنا بالتالي لمشاعر سلبية قاتمة أن تسيطر على قلوبنا فتطغى على مساحة الحب والتسامح التي كانت تسيطر عليها عندما كنا صغارا لم تعرف قلوبنا الحقد ولا القسوة، لكننا بدكتاتوريتنا المطلقة هذه تجاه آراء الآخرين التي تختلف عما نراه نحن، علمنا هذه القلوب شيئا فشيئا أن تقسو وتغضب لأتفه الأسباب حتى هان عليها الأمر، فأصبحت تواجه ابسط المواقف من الأحبة بالجفاء والقسوة، حتى إذا ما أخذهم الموت فجأة دون أن يتيح لنا فرصة مراجعة الذات والاعتذار إذا ما اكتشفنا أن الخطأ قد تم اساءة فهمه وتفسيره من طرفنا، بيئة العمل بالذات مليئة بالأخطاء غير المقصودة التي يحلو لنا أن نعطيها تفسيرات مغايرة عن حقيقتها، ولأسباب احيانا غير منطقية، كنجاح زميل جاء تعيينه بعدنا بسنوات لكنه تجاوزنا في سلم الوظيفة، وعوضا عن ان نقف وقفة صريحة مع الذات عن سبب تفوقه علينا، نأخذ الطريق السهل طريق إلقاء اللوم والاتهامات، أو مسؤول مباشر لم يتطابق تقييمه لنا مع تقييمنا لذواتنا فقررنا أن نكرهه ونكيل له اللعنات لأن ذلك اسهل بكثير عن الوقوف على الحقيقية ومعالجة اوجه القصور في ادائنا، أو زميل عمل هداه تفكيره إلى تأسيس مشروعه الخاص الذي اصبح يدر عليه ربحا عاليا مكنه من العيش برفاهية، استكثرناه عليه، فبتنا نوجه له الاتهامات جزافا، سلسلة لا تنتهي من اسباب الضغينة التي نحملها تجاه الآخرين والتي نضيع عليها أجمل سنوات العمر التي تمر سريعا دو أن نعي

ليست هناك تعليقات: