05‏/01‏/2015

بيت الداء

تحدثنا في مقال سابق عن السمنة و تأثيرها على نجاحنا المهني والشخصي، وقررنا سويا أن نجعل هدفا رئيسيا للعام الجديد هو أن نتخلص من الكيلو جرامات الزائدة التي تثقل كاهلنا، و تجعل الاستمتاع بالأنشطة اليومية في غاية الصعوبة، وكيف أن تغيير بسيط في نظامنا الغذائي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على جميع جوانب الحياة، وينقل عن طبيب العرب الكلدة بن الحارث قوله (المعدة بيت الداء)، وهي مقولة جاء الطب الحديث اليوم لإثبات صحتها، فقد أظهرت الدراسات العلمية ارتباطا وثيقا بين كمية ونوع الطعام الذي نتناوله و مستوى الصحة، لذا فإن النظام الغذائي قليل السعرات الحرارية في غاية الأهمية بالنسبة للصحة العامة، وتأخر الشيخوخة لعلاقته بسلامة الهرمونات بأنواعها، لذا يتوجب التقليل قدر الإمكان من الأطعمة المقلية بالذات التي ترفع نسبة الكلسترول في الدم، ذلك أن هذه الأطعمة تؤثر سلبا على الهرمونات التناسلية، فهذه الهرمونات تزود الجسم بالطاقة والحيوية مما يمنح الفرد النضارة و مظهر شاب على الدوام،إذ أن الإسراف في تناول الأطعمة الدسمة تفقد الجسم الحيوية والنشاط ذلك أن طاقة الجسم توجه كلها لهضم ومعالجة الطعام المستهلك، و تخليص الجسم وأنسجته الحيوية من الفضلات والسموم، بالتالي لا يكون لدى الخلايا متسع من الوقت للتركيز على الوظائف الحيوية كالتجديد و إصلاح العطب الذي قد تكون أعضاء الجسم الحيوية تتعرض له، بما فيها الجلد مما يجعله يشيخ سريعا، إلا أن تجديد خلايا الجلد تمنح الوجه الشباب والنضارة، وتشد أنسجة الجلد الأمر الذي يؤخر ظهور علامات التقدم في العمر، بمعنى آخر كلما أكلت أقل كلما كانت لديك فرصة أكبر في أن تحتفظ بالشباب لفترة أطول أيضا، كما أن كميات الطعام الكبيرة تؤثر على كفاءة أداء الجهاز الهضمي بشكل عام، ذلك أن الجسم يحتاج إلى معالجة كل لقمة تتناولها بهدف رفع كفاءة امتصاص الجسم للتغذية التي يحتاجها، مع تقليل نسبة الشحوم المخزنة الا في حال الضرورة، وهو ما يرفع معدل الأيض بالتالي، مما ينعكس على حياتك اليومية، فتشعر بالطاقة والحيوية، وتكون أكثر يقظة، و تستطيع بالتالي أن تفكر بوضوح، مما يمنحك حماسا لإنجاز مهامك اليومية، ذلك أن هناك عددا من الدراسات الطبية أظهرت علاقة عكسية بين كمية الطعام الذي يتناوله الفرد و أداء الدماغ، فكلما قلت كمية الطعام التي يستهلكها الإنسان كلما زادت تبعا لذلك كفاءة أداء دماغه، بما في ذلك القدرات المعرفية، و الذكاء بشكل عام، وهو أمر أدركته الحضارات القديمة منذ الأزل، فعرف الصوم في كل الحضارات كوسيلة لضبط النفس و رفع أداء الذهن، وهو ما جاء العلم الحديث اليوم ليؤكد عليه، إذ ينصح كثير من العلماء بتناول وجبات صغيرة في أوقات محددة عوضا عن تناول وجبات كبيرة ودسمة للمحافظة على أداء ذهني سليم،وجسد معافى أيضا ذلك أنه مما لا شك فيه بأن التخمة تؤثر سلبا على الصحة الجسمانية للفرد بشكل عام، فكثير من الأمراض التي تهاجم الجسم ناتجة عن الالتهابات التي تصيب الأنسجة، وهو ما يعني أنها ليست نتيجة عوامل خارجية كالعدوى مثلا، والالتهابات في الغالب ناتجة عن تخزين السموم في الأعضاء بالتالي تزيد التخمة من فرصة حدوثها نتيجة فشل الجسم في التخلص من السموم الموجودة في بعض أنواع الأطعمة، فالجهاز الهضمي عبارة عن نظام دقيق يسمح للطعام بالمرور عبر حركة الجهاز الهضمي بدقة متناهية بمشاركة عدد من أعضاء الجسم، فعندما يكون هذا النظام تحت ضغط من أي نوع، فإن عملية الهضم تكون سريعة، الأمر الذي لا يعطي وقتا لفرز السموم التي ينتهي بها المطاف أن يتم إعادتها مرة أخرى إلى الدم مسببة هذه الأمراض و مشكلة بذلك خطرا حقيقيا على جهاز المناعة مما يعرضنا إلى كثير من الأمراض التي لا يعرف لها سببا أحيانا ويصعب تشخيصها، والعكس دائما صحيح ذلك أن استهلاك الطعام بشكل أقل يؤثر في النهاية إيجابيا على صحة الجسم الذي ينعكس كما ذكرنا على الحياة العامة، بما في ذلك الوضع المادي للأسر، حيث تستهلك فاتورة الطعام في الغالب الجزء الأكبر من ميزانيتها نتيجة شراء واستهلاك كميات كبيرة من الطعام زائدة عن الحاجة في الواقع، استهلاك كميات أقل من الطعام أيضا يعني تقليل نسبة تلوث هذا الكوكب الذي نعيش عليه من التلوث بثاني أكسيد الكربون،و أيضا حماية موارده من الاستهلاك المفرط الذي انخرطت فيه البشرية خلال العقود الماضية بشكل مبالغ فيه، بالتالي فإن المسألة كما ترى أيها القارئ الكريم أكبر بكثير من مجرد رشاقة تؤدي إلى مظهر جذاب و جميل، وفي الحديث الذي روي عن الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى: ( مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ )..

ليست هناك تعليقات: