08‏/12‏/2014

أم غانم الرابح

أصبح الطفل القطري ذي الاثني عشر ربيعا غانم المفتاح نموذجا لتحدي الإعاقة، وتلقى صفحته على (انستجرام) إقبالاً كبيرا من قبل ذوي الإعاقات والأصحاء على حد سواء، فهذا الطفل الذي يمتلك ابتسامة ساحرة، استطاع أن يكون نموذجا للتحدي والإصرار و الأمل الذي لايعرف حدودا، إلا أنني هنا لست بصدد الحديث عن غانم، وإنما عن المرأة الرائعة التي استطاعت أن تصنع من هذا الطفل الذي تمنت الأسرة موته عند ولادته، نموذجا ناجحا للإصرار والإرادة، لتثبت حقيقة أن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة حقا، هذه المرأة ماهي سوى القطرية إيمان العبدلي، التي حصلت على جائزة الأبطال المجهولين من مؤسسة قادة القرن الواحد والعشرين، تتويجاً لانجازاتها الانسانية ورحلة كفاحها في صناعة نموذج رائد من طفلها المعوق.بدأت الرحلة عندما أخبرها الأطباء أنها حبلى بتوأم أحدهما يعاني من تشوه كبير وضمور في عموده الفقري، ويفتقر لوجود حوض لكونه مصابا بمتلازمة التراجع الذيلي، ونصحوها بالتخلص منه، إلا أنها رفضت أن تتخلى عن جنينها، وعندما ولد غانم وشقيقه التوأم أحمد، سمح لها الأطباء برؤية أحمد فيما أخفوا عنها الصغير الآخر خوفا عليها من الصدمة، وخشية تدهور حالتها النفسية، ولكن بعد يومين وأمام إلحاحها الشديد سمح لها الأطباء برؤيته من بعيد دون أن تتمكن من حمله أو إرضاعه؛ خوفا على اجهزته الداخلية، التي لم يكن عليها مايغطيها سوى غطاء خفيف اشبه ما يكون بكيس قطني، وكانت تلك ليست أصعب لحظة على هذه الأم أن تواجهها، فقد جاء الأصعب عندما نقلته إلى المنزل بعد أشهر من بقائه في رعاية المستشفى، حيث وجدت نفسها غير مهيأة للتعامل معه. في حوار لها مع جريدة الرأي القطرية تقول إيمان العبدلي: (استطاع غانم ان يحولني من امرأة عادية جدا إلى امرأة مخترعة ومبتكرة ومثقفة)، فقد عملت على تثقيف نفسها حول مرض ابنها، وتهيئة منزلها ليستطيع أن يعيش حياة مستقلة فيه أسوة بأخيه التوأم، فلجأت إلى الاستعانة بباب صغير وسلالم متحركة ومنحدرات لجميع مداخل ومخارج المنزل وكونت اركانا كاملة بالمنزل؛ ليمارس فيها غانم حياته الطبيعية كطفل، عندما بلغ غانم سن الالتحاق بالمدرسة نقلت إبداعها إلى محيط المدرسة، فعندما لم تجد أي مدرسة حكومية أو خاصة تقبل به؛ خوفا من تحمل نفقات تجهيز المدرسة لتتناسب مع حالته قررت أن تجهز المدرسة بنفسها وعلى نفقتها الخاصة، فوفرت له سبورة خاصة لتتلاءم مع حالته وسيارة صغيرة لينتقل بها في أرجاء المدرسة، وكرسيا متحركا يرتفع وينزل على حسب ارتفاع الطاولة التي يجلس عليها ولم تكتف هذه الأم المكافحة بشراء كرسي واحد، وانما عدة كراس حتى لا يشعر غانم بأنه مختلف عمن حوله، وقبل كل ذلك هيأت غانم نفسيا ليتمكن من التعامل مع التعليقات الساخرة التي يُطلقها الأطفال، ولم تكتف بذلك بل قامت بتهيئة حتى أولياء الأمور الذين رفضوا وجود غانم وسط أطفالهم، وامتدت هذه التوعية إلى المجتمع القطري، وأخذت على عاتقها مسؤولية زيادة حساسية وفهم المجتمع للأطفال ذوي الإعاقات الجسدية، فعملت على زيادة الوعي بشكل كبير بمتلازمة التراجع الذيلي، وهي متلازمة نادرة تصيب العمود الفقري، والتي يعاني منها غانم، وأسست نادي غانم الرياضي، ليتمكن الأطفال سواء كانوا من الأصحاء أو ذوي الاعاقة بالاشتراك معا في مختلف الأنشطة الرياضية مثل الكاراتيه وكرة السلة والتزلج، ومازال غانم يكمل دراسته في ذات المدرسة.
وتعد تجربته من انجح تجارب الدمج في قطر حيث تمكنت هذه الأم المكافحة من تهيئة البيئة المدرسية؛ ليتمكن ابنها من الاعتماد على نفسه في جميع أموره وكسب حب وتعاطف زملائه مما ولد لديه الجرأة والثقة في نفسه بحيث أصبح غانم يتميز بسمات القيادة في فصله بشهادة الجميع، واستطاع المشاركة في بطولة ذوي الاعاقة في دبي، وتأخذه والدته في زيارات شهرية للأطفال المرضى بالمستشفى ليعرف أن هناك حالات أخرى أصعب من حالته بكثير، وقامت ايضا بإنشاء جمعية غانم الرابح دوما للكراسي المتحركة، والتي تقوم ايضا بتأليف وطباعة كتيبات وسيديهات ومنشورات وقصص قصيرة عن قصة تحدي غانم لأزمته باللغتين العربية والانجليزية، وتقوم بزيارات متعددة للمدارس وبعض الجهات لعرض قصة غانم كنموذج؛ لعله يكون القدوة والمثل لبعض الناس الذين يتخذون من إعاقة أبنائهم مدعاة للخجل والخوف من مواجهة الحياة العامة، أكتب هذا المقال والعالم يحتفل باليوم العالمي لذوي الإعاقات، متمنية أن تتخذ الأسر التي لديها طفل من هذه الفئة، أم غانم نموذجا، وألا يكونوا هم والزمن على أطفالهم، فغانم كان نعمة فتح أبواب رزق واسعة لوالديه، وساهم في زرع الابتسامة في حياة الملايين ربما حول العالم، ليثبت أن الاعاقة ليست مدعاة للتوقف عن الحياة والأمل، وكذلك هو الطفل المعاق في أي عائلة لو فقط سمحنا لأنفسنا أن نغير النظرة للطفل المعوق، فالمولى جلت قدرته إذا حرمنا من نعمة ما يعوضنا بنعم أكبر

ليست هناك تعليقات: