15‏/12‏/2014

موظفون لهذا الزمان

لو قيل لأحدنا قبل عشر سنوات فقط، أنه لن يضطر إلى الخروج من منزله صباح كل يوم ليعمل عدة ساعات خارج المنزل، ذلك أنه سيتمكن من ممارسة العمل الذي يريد وهو مستلق على سريره، أو على شاطئ البحر وهو يراقب صغاره يلهون ويمرحون، وفي أي وقت يمكن أن يقطع العمل للانضمام إليهم، لكنا اتهمناه بالجنون.وبالنسبة لنا نحن النساء، يمكن أن نمارس مهام وظيفتنا من داخل المطبخ، ونحن نشرف على إعداد طعام أسرتنا ونباشر دروس أبنائنا في آن معا، إلا أن هذا أصبح واقعا يعيشه الكثيرون، هذا الانقلاب في مفهوم العمل هو موضوع كتاب جيكوب مورجان الجديد الذي بعنوان (مستقبل العمل: جذب مواهب جديدة، بناء قيادات أفضل، وإيجاد مؤسسات تنافسية)، يستعرض من خلاله جيكوب الانقلاب في مفهوم العمل بشكله الذي نعرف اليوم، والذي يرى الكاتب أنه سيختفي قريبا، حيث لن يكون الموظفون – الموارد البشرية – هم الموظفون الذين عرفنا، نظرا للاختلاف في مفهوم العمل بشكله التقليدي الذي نعرف، حيث أصبح العمل يعتمد على النتائج أكثر من اعتماده على ساعات العمل الرسمية، وهو ما يعني أنه لم يعد مهما متى وأين تنجز أعمالك كموظف، بالتالي فإن التقييم في نهاية اليوم يكون على الأداء، والنتائج التي يحققها الموظف وليس على الساعات التي قضاها في المؤسسة، وتقود شركة أمريكان إكسبرس طريق العمل المرن في العالم اليوم، والذي يبشر بأنه يكون عمل المستقبل في القريب العاجل، وقد ساهمت الأجهزة الذكية والأجهزة المحمولة في تفعيل العمل المرن وتيسيره بشكل كبير، حيث أصبح الموظف يستطيع تأدية عمله من أي مكان وباستخدام أي جهاز دون الحاجة للعمل على أجهزة الشركة، يبشر هذا النمط من العمل أيضا باختفاء مفهوم السلم الوظيفي، الذي يضطر فيه الموظف الجديد أن يبدأ عمله من أسفله، على أمل أن يصل يوما إلى القمة، وهناك من يظل في القاع طوال مسيرته المهنية ولا يتعداها، الموظف اليوم هو من يحدد كيفية تأديته لعمله وهو من يحدد مساره المهني، وذلك من خلال بعض النماذج التي تتبناها بعض الشركات مثل شركة ديلوت للتدقيق والتي تقدم لموظفيها ما يسمى (ببرنامج التخصيص الوظيفي) والذي يسمح للموظف بتغيير مساره المهني بمعدل مرتين في العام، ويتضمن التعديل تغيير العمل داخل المؤسسة أو اختيار المدة التي يود أن يقضيها في السفر من أجل العمل، في حين تمنح بعض الشركات الأخرى مطلق الحرية لموظفيها في اختيار المشروع، الذي يرغبون في العمل عليه كما يمكنهم حتى تحديد فريق العمل الذين يفضلون العمل معه، وسيتغير في بيئة العمل الجديدة أيضا مفهوم (المعرفة قوة) الذي ساد في عصر الطفرة المعلوماتية ليصبح أكثر تأثيراً من أي وقت مضى، إذ يرى الكاتب أن ذلك النموذج من الموظفين الذي يعمل المستحيل للاحتفاظ بالمعلومات لنفسه وعدم مشاركتها مع الآخرين سعيا منهم لفرض قوتهم على المؤسسة سيختفي تماما، إذ أن بيئة العمل المفتوحة باتت تعتمد اعتماداً كبيراً على تبادل المعلومات، من خلال منصات التعاون التي تبنى عليها المؤسسات، وبرامج تحفيز الإبداع التي تحول مهمة الموظف من مجرد الحضور للعمل وأداء المهام الموكلة له، إلى موظف يحرص على مشاركة إبداعاته، والمعارف التي يتحصل عليها من خلال برامج تحفيز الإبداع كالحاضنات المؤسسية عل سبيل المثال، وفي ظل التبادل المعرفي هذا سيتغير أيضاً دور البريد الالكتروني من وسيلة تواصل رئيسية في المؤسسات إلى وسيلة تواصل ثانوية، وسيصبح من حق أي موظف أن يقدم فكرة يتم تحويلها إلى مشروع تتبناه المؤسسة، من خلال برامج تتبناها المؤسسات مثل برنامج شركة شل (تغيير اللعبة)، أو شركة ويربول المسمى (ببيئة العمل الرابحة)، من أجل تحويل بيئة العمل إلى بيئة مشاركة وشراكة، ومن خصائص بيئة العمل الجديدة أيضا القائمة على منصات التعاون أن بإمكان أي موظف أن يصبح قائدا، من خلال مشاركته لأفكاره، تماما كما حدث مع برامج التواصل الاجتماعي الشهيرة مثل تويتر وانستجرام التي حولت مخترعيها إلى قادة في غضون فترة قصيرة، بات ذلك ممكنا في ظل تحول المعرفة إلى سلعة اليوم، ذلك أنه لتعد من الأذكياء اليوم كل ما عليك عمله هو إخراج هاتفك الذكي في أي ساعة تشاء وفي أي مكان وتبحث عن المعلومة، ولو أن الأهمية اليوم باتت ليست في المعلومة بقدر ماهي في قدرتك على تحليل هذه المعلومة وبالتالي استخدامها، بمعنى آخر فإن موظف المستقبل مطلوب منه أن يكون قادراً على مواكبة الجديد على الدوام، ومن ثم تطبيق المعرفة الجديدة التي يكتسبها على السيناريوهات والأحداث التي سيتعرض لها، بمعنى آخر عليه أن يتعلم كيف يتعلم ويبقى متكيفا مع الجديد، هذا أهم بكثير مما (تعرف) كما وضعها جيكوب مورجان، وقد حول هذا المفهوم الجميع إلى أساتذة وتلاميذ في آن معا، فلم يعد الموظف بحاجة للانتظار حتى يتم ترشيحه لدورة تدريبية من أجل اكتساب المعرفة، كل ما عليه القيام به هو إخراج هاتفه الذكي والدخول على أي من المواقع التعليمية المفتوحة التي تمكنه من تعليم وتعلم أي شيء يريد، إنه العالم الذي تقلص فيه المستحيل حقا..

ليست هناك تعليقات: