17‏/11‏/2014

المستأسدون


وقعت على مقال منشور على موقع شبكة البي بي سي الإخبارية وجدته مثيرًا للدهشة ليس لعنوانه الغريب فقط ولكن أيضا لأني ما كنت أتصور بأن هذه الفئة من الزملاء السلبيين منتشرون إلى هذا الحد بحيث يندر أن تخلو منهم مؤسسة، وقد أعجبت بشكل خاص بالاسم الذي أطلقه كاتب المقال على هذه الفئة من الموظفين (المستأسدين)، وهم أولئك الزملاء المحاطون على الدوام بغمامة من السلبية، ومبعث سعادتهم في التعاسة التي يسببونها في من حولهم، والتوتر الذي يسري في المؤسسة بسببهم، ذلك أنهم يعملون على نفث سمومهم أينما ذهبوا، ويناقش المقال سبل التعامل مع هذه الفئة التي تجد متعتها في إلحاق الأذى بالآخرين ونشر الفتنة والشقاق والتوتر في جو العمل، والتوتر بلا شك يمثل تهديداً كبيراً لنجاح القائد بالذات وامتحانا لمهاراته القيادية، الذي لو سمح للتوتر الذي تسببه هذه الفئة بالخروج عن السيطرة، فإن قدرته على التفكير ستتأثر هي الأخرى، مما سيؤثر سلباً على أداء المؤسسة، إلا أن بحثاً أعدته شركة برادبري يشير إلى أن تسعين بالمائة من القياديين الأكفاء يتصفون بالقدرة على ضبط مشاعرهم، كما أن واحدة من أعظم الخصال التي يتمتعون بها هي قدرتهم على تحييد الناس الذين يسعون إلى إلحاق الأذى بالآخرين، حيث تكون لديهم استراتيجيات متطورة للتأقلم يستخدمونها لإبعاد هذه الفئة الضارة من الموظفين، ويعرض المقال اثنتي عشرة استراتيجية من بين أكثر الاستراتيجيات فاعليةً والتي يستخدمها الناجحون في التعامل مع من يسعون إلى إلحاق الأذى بغيرهم في مكان العمل، من بينها: وضع حدود بينهم والمتذمرين الذين لا يكفون عن الشكوى والتذمر وذلك لما يسببه ذلك من ضغط على أعصابهم، إذ لا يحبذ البعض أن يظن به الآخرون بأنه قاسي القلب أو تنقصه اللباقة، لكن هناك خيطاً رفعياً يفصل بين من يمنحك أذناً صاغية، والتورط في دوامة سلبيتهم العاطفية، ويضيف برادبري يمكنك أن تتفادى ذلك النوع من خلال وضع حدود في تعاملك معهم، وأن تبقى بمنأى عنهم عند الضرورة، وهناك طريقة رائعة لوضع الحدود في التعامل، وهي أن تسأل المتذمر عن الحل من وجهة نظره للمشكلة التي يتذمر منها، ولكون هذه الفئة هي فئة مستفزة وتثير غضب المسؤول بسبب سلوكياتهم غير العقلانية إلا أنه من الحكمة أن يتصرف المسؤول بعقلانية في تعامله معهم، بحيث يترفع عنهم وينأى بنفسه عنهم عاطفيا، لأن الشخص غير العقلاني غالباً ما يكون كثير الأخطاء، لذا عليك أن تكون واعياً لهذه الشراك التي ينصبها المستأسدون حولك كقيادي، من خلال إدراك مشاعرك، وعدم الانفعال، حيث يتطلب الأمر أحيانا أن تطأطئ رأسك للعاصفة وتدعها تمر، وذلك من خلال عدم التركيز على المشكلات التي يسببها هؤلاء بل ركز على الحلول، حتى لا تتولد لديك مشاعر سلبية وتوترا أنت في غنى عنه، ولن يفيدك القلق والتوتر في شيء حينها، لذا عليك أن تتجنب التفكير في هذه الفئة من الموظفين قدر المستطاع، حتى لا يصبحوا هم شغلك الشاغل، فتتيح بذلك لهم أن ينالوا منهم، ذلك أنه عندما يبدي المسؤول استجابه لأساليب هذه الفئة العدوانية فإنه يمنحهم قوة كما ترى فيكتوريا بنتشون، مستشارة التفاوض في شركة (شي نيغوشيتس للاستشارة والتدريب)، فهم
يتهمون، ويهددون، ويزعجون، ويضايقون، ويفضحون، ويرفعون أصواتهم، ويلوحون بقبضاتهم، وأحياناً يتسمون بالعنف، لذا عليك أن تواجه هذه التصرفات الحمقاء كقائد بأعصاب هادئة وتراقبها من بعيد فهي ليست إلا أساليب للتزمر، عليك التعامل مع هذه الأساليب التي تهدف إلى إثارة النزاع بهدوء وعقلانية، تمكنك من السيطرة على الموقف، فإذا شعرت على سبيل المثال أن النقاش بدأ يخرج عن السيطرة، وهو ما يحدث غالبا مع هذه الفئة المستأسدة، تنصح بنتشون باستخدام واحدة من الجمل التالية مباشرة ولكن بنبرة واثقة وهادئة، مثل: لنعد إلى هذا الموضوع عندما تكون في حالة أكثر هدوءًا، (أو) سأنهي هذه المناقشة الآن، ولكن إن أردت استكمال المناقشة لاحقاً، وبأسلوب أكثر حضارية، فإنه يسعدني أن نلتقي مجددا يجب أن تكون لك ردة فعل إذا كان التصرف فظّاً، لكن لا ينبغي عليك أن تهرب من مواجهة الموقف بل كن مستعدا لإنهاء المحادثة (أو النقاش) إذا كان ذلك ضرورياً، ولن تستطيع ذلك إلا إذا كنت قادرا على التحكم بانفعالاتك، ولا تسلم زمام أمورك لهذه الفئة السلبية، أو تحاول التهرب من واجهة الموقف لأنهم شئنا أم أبينا واقع تعيشه المؤسسات على مختلف مستوياتها، والقائد الفذ هو الذي يستطيع أن يميز هذه الفئة، ويتعامل معها بحكمة، ولا يسمح لها أن تجره والمؤسسة في الوحل معها، وفن التعامل مع الأنماط الصعبة من البشر إحدى أهم المهارات القيادية على الإطلاق؛ لأنها تظهر حكمة القائد، وقدرته على قيادة ذاته قبل قيادة الآخرين، وهذه الاستراتيجية في رأيي ليست حكراً على القائد بل حتى الزملاء المحيطين بهذه الفئة عليهم العمل بها، لأن نجاحهم واستقرارهم المهني مهددا على الدوام من قبل هذه الفئة.

ليست هناك تعليقات: