11‏/11‏/2014

أحبك

الحب بلا شك هو أسمى وألذ المشاعر على الإطلاق، وهو يأتي على قائمة أحلام وأمنيات الكثيرين، بسببه ارتكبت كثيرا من الحروب، وبفضله تحققت كثير من الانتصارات، يعده خبراء التنمية البشرية أكبر الدوافع البشرية على الإطلاق، فهو محرك الهمم، وهو الذي يقف وراء نجاح الكثيرين، هناك من أتيح له أن يعيش لحظات الحب الصادقة، مع والد رؤوم أو ابن أو حبيب، وهناك من حرم من هذه النعمة، وهناك من فرط فيها طواعية، لكنها تبقى هي الحلم الأوحد والأسمى للغالبية منا، شخصيا لا أشفق على إنسان شفقتي على من حرم من هذه النعمة العظيمة، إذ أنني لو قدر أن سئلت عن أعظم ثرواتي على الإطلاق سيكون ردي حتما هي هذه القلوب الرائعة التي تحيط بي، مؤخراً كنت على موعد متكرر مع مشاهد الحب التي أثرت في بشكل كبير، كذلك الحب الصافي الذي جمع تلك العجوز بشريك حياتها الذي يرقد منذ أكثر من عقد ونيف من الزمان فاقداً الوعي إلا وعيه بحبها، في كل زيارة لي لهذا الشيخ الكبير أجدها تقبع بجواره، لا تفارقه أبدا، بعد أن رفضت أن تتركه للمستشفى لرعايته، قائلة بعبارتها المؤثرة: أريده حتى لو كان حطبة جافة، لقد عشت خمسين عاماً مع هذا الرجل أحاول جهدي أن استرجع لحظة ألم واحدة سببها لي فلا أجد سوى التضحية منه والتفاني والكرم اللامحدود في المال والمشاعر، فكيف أترك من كان سبباً في منحي هذه الحياة..يقال إن المولى جلت قدرته عندما أن يحرم شخصا ما من نعمة، فهو يعوضها بأخرى، فهل يا ترى قدرة (سعيد) غير الطبيعية على الحب هي تعويض إلهي على ولادته بمتلازمة داون، فلدى هذا المراهق، قدرة غير طبيعة على الحب، وهو لا يتوانى عن إظهار مشاعره والتعبير عن حبه، رأيته قبل أيام في عزاء جده لأمه، وكان حينها عائداً من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة على جثمان جده، الذي لم يكن يعلم بوفاته حتى تلك اللحظة، بعد أن أفاق من حزنه، بدأ في توزيع الأحضان على من حوله مواسياً، كمن أدرك في تلك اللحظة أن من حوله، ربما يشعرون بما شعر به هو من حزن، شاءت الصدفة أن أكون ضمن من شملهم (سعيد) بحبه ومشاعره تلك اللحظة، وهو يحتضنني بدفء لم أتمالك نفسي من السؤال إلهي من أين يأتي هذا الشاب بكل هذه الطاقة من المشاعر؟!
مناسبات كهذه فرصة بالنسبة لي لتجديد مشاعر الحب مع معارفي وأفراد أسرتي، البعض منهم نسيت ملامحه من طول فترة الغياب، لكن تظل المشاعر الصادقة حاضرة رغم الغياب، تجبرني المشاعر الدافئة التي تخصني بها بعض الوجوه من تأمل ملامح أصحابها محاولة العثور على شخصية أصحابها، أعرف البعض، وأتظاهر بأنني عرفت البعض منهم خجلا من الاعتراف بأنني رغم كل ذلك الحب الذي قابلوني به لم أتعرف عليهم، ويمر البعض بدون أن أحظى بفرصة التعرف عليه وسط زحمة المعزين، لكن تبقى كم المشاعر الذي حملته معي من الزيارة حاضرا و بقوة..أغلب هؤلاء النسوة جئن من طفولتي المبكرة، والبعض أدرك أن الحب ليس موجها لي بقدر ما هو موجه لمن أحمل ملامحهم واسمهم، وذكريات مشتركة جمعتنا يوما في بلدة تركناها سعيا وراء لقمة العيش، وحياة الرفاهية التي عجزت عن توفيرها لنا..
للتعبير عن المشاعر تأثير رائع على النفس البشرية، مهما تقدم بنا السن أو كبرت المناصب التي نشغل، وتضخمت الثروات التي نملك، نبقى متساوين في حاجتنا الأساسية للحب، والتعبير عن المشاعر، الذي يمنحنا طاقة للمضي قدماً، ويضفي على أيامنا البهجة والحبور، كما لا يفعل شيء آخر، وإن كنا نفقد هذه العفوية في التعبير عن مشاعرنا التي تولد معنا صغاراً، إلا أن قلة تبقى محافظة على هذه العفوية..
أذكر أنه عقب انتهاء سلسلة الأمسيات الرمضانية التي كنت أحييها بعد صلاة التراويح للمصليات، طلبت من النساء أن تلتفت كل منها إلى المرأة التي تجلس بقربها وتحتضنها بحب قبل مغادرة المسجد، ردود الأفعال أدهشتني كثيراً، والربكة التي حدثت من البعض، والدموع التي اختلطت بالضحكات، والأجساد التي كانت ترتعش تأثرا، أظهرت لي كم نحن مقصرون في التعبير عن مشاعرنا تجاه الآخرين..
إحدى النساء صدمتني بالقول إنها لا تحتضن حتى أطفالها، هذا رغم أن الأطفال هم الأحوج للتعبير لهم عن المشاعر، فهي الزاد الذي تقوى به أرواحهم الصغيرة، قبل أيام أرسل لي أخي تسجيلاً صوتياً لابنه ذي العامين يردد جذلاً: عموه قالت حبيبي! أنا حتى لا أذكر المناسبة التي قلت فيها هذه الكلمة أمامه والتي جعلته يحتفي بها إلى هذا الحد، أعدت سماع التسجيل مراراً وتكراراً، دهشة من حجم تأثيره هذه الكلمة على طفل بالكاد يعي معناها، ترى ماهو تأثيرها على تلك الأرواح من حولنا المتعطشة لعاطفة صادقة؟!

ليست هناك تعليقات: