08‏/09‏/2014

النعمة التي حولت إلى نقمة


الهاتف النقال، هذه الأداة الجميلة التي صنعت لتجعل حياتنا أسهل وأجمل، هذا الاختراع الرائع الذي يحق للإنسانية أن تفتخر به كأحد أعظم اكتشافات العصر، حولناه بسبب سوء استخدامنا له إلى أداة انتحار جماعي ووسيلة قتل للأبرياء، ذلك أن دراسة أعدت في الولايات المتحدة الأمريكية تشير إلى أن ربع حوادث السير سببها استخدام الهاتف أثناء القيادة، وما يزيد الأمر سوءا أن الهاتف أصبح ذكيا للغاية، بحيث إنه لم يعد وسيلة إجراء محادثات كما كان في السابق، ولم يعد يقبع في بيوتنا، لكنه أصبح نقالا يذهب معنا أينما ذهبنا، ونستخدمه في كل شيء تقريبا، فهو جهاز ملاحة يرشدنا إلى وجهاتنا التي نقصد، ويعيدنا إلى الجهات التي بدأنا منها حتى لا نظل الطريق، هو آلة حاسبة، وهو جهاز مراقبة لنشاطنا الرياضي، وهو بلاي ستيشن لأطفالنا، وهو تلفزيون وجهاز فيديو وهلم جرى، مما أدى إلى تراجع المحادثات الهاتفية لتصبح في الترتيب الخامس لاستخدام الهاتف، فيما أتت الرسائل النصية في المرتبة الأولى، مما زاد من فرص انشغال السائق عن الطريق، وعلى الرغم من اقتراح استخدام سماعة الهاتف لإجراء المكالمات أثناء القيادة، إذ أنه حتى لو استخدم المرء السماعة فالمشكلة ليست في كون السائق لا يستخدم يده لمسك الهاتف، المشكلة في المحادثة نفسها، فهي تشتت انتباه السائق عن الطريق، خاصة إذا كانت محادثة مشحونة بالعواطف، ذلك أن العقل البشري لا يمكن أن يقوم بعدة وظائف في آن واحد، كما أن معالجة العقل للمعلومات التي تلتقطها حواسه من البيئة المحيطة به تقل بمعدل 37% أثناء انشغال السائق بالمحادثة الهاتفية، وما يجعل الأمر مأسويا حقا هو أن غالبية مستخدمي الهواتف أثناء القيادة هم من الفئة العمرية من سن 18 إلى 25% وفقا لإحصائية هيئة الطرق الأمريكية، وفي إحصائيات شرطة عمان السلطانية فإن أكبر نسبة وفيات في السلطنة نتيجة لحوادث الطرق هي في المرحلة العمرية من 15 إلى 35 سنة، أي ثروة عمان الوطنية التي أنفقت عليها الحكومة والعائلة جزءا كبيرا جدا من موازنتها، واستثمرت فيها الكثير من الوقت والجهد المتمثل في التربية والتعليم والرعاية الصحية، فقط لتأتي شوارعنا وتلتهم هذه الاستثمارات في الوقت الذي يحين فيه حصادها، وتشير الدراسات إلى أن الشباب يرسلون 3000 رسالة نصية شهريا أي بمعدل ست رسائل لكل ساعة هم مستيقظون فيها، وتأتي خطورة هذا الأمر عندما يكون جزء من هذه الرسائل أثناء القيادة، ذلك أن القيادة تتطلب انتباها وتركيزا شديدين جدا، لا يتيحه استخدام الهاتف، ذلك أنك حتى تقرأ رسالة نصية واحدة تحتاج أن ترفع عينيك عن الهاتف لمدة 6.4 ثانية، وهي مدة كافية لقطع مسافة تعادل ملعب كرة قدم طولا وعرضا بسرعة 55 ميلا في الساعة، تخيل ما يمكن أن يصادفك وأنت تقود سيارتك مغمض العينين كل هذه المسافة، فضلا عن ذلك فإن التركيز يقل كثيرا في هذه الحالة، كذلك تقل ردة فعل السائق مما يجعله يفقد الانتباه لوجود جسم متحرك أو ثابت أمامه، مما يؤدي إلى انحراف السيارة عن سيرها، أو اصطدامه بأي جسم أمامه، كما يعجز السائق في هذه الحالة عن قراءة اللوائح الإرشادية وإشارات المرور، التي قد لا ينتبه لها، وتشير الدراسات أيضا إلى أن السائق يعجز عن استقبال 50% من المعلومات عن البيئة المحيطة به أثناء انشغاله بالهاتف، وتزيد فرص وقوع الحوادث المرورية بمعدل 8 إلى 23 مرة أثناء الانشغال بأي شيء آخر أثناء القيادة، تخيل الكارثة ونحن ننظر إلى نسبة تتجاوز 99% من السائقين لديهم هواتف، 59% منهم أكدوا أنهم يستخدمون الهواتف أثناء القيادة، و94% من هذه النسبة من الشباب في المرحلة العمرية من 18 إلى 25 سنة، تمنياتي لك أيها القارئ الكريم ونحن نبدأ عاما دراسيا جديدا، أن لا تكن رقما ضمن هذه الأرقام المخيفة، قاوم إغراء استخدام هاتفك أثناء القيادة، بأن تخطط لرحلتك قبل خروجك، من خلال إجراء المحادثات الضرورية، نبه أفراد أسرتك بعدم مهاتفتك قبل أن تصل إلى وجهتك التي عليك أن تخبر بها أحبائك ما استطعت إلى ذلك سبيلا، إذا كان لا بد من إجراء مكالمة أثناء القيادة فأجعلها قصيرة قدر المستطاع، اقطع المحادثة إن شعرت بأنك في خطر وإذا رفض الطرف الآخر الانصياع لطلبك، إن كان ولا بد أوقف سيارتك في مكان آمن وأكمل المكالمة، استغل تقنية البلوتوث في إجراء المحادثة والرد على المكالمات إن اضطررت لذلك، حاول أن تضع الهاتف بعيدا عنك حتى لا يغريك بالرد على المكالمات أو الدردشة على وسائل التواصل الاجتماعي أثناء القيادة، الأرقام أمامك والاختيار بيديك فإما أن تستخدم هذا الجهاز الرائع للهدف الذي صنع منه، ولتجعل حياتك به أسهل وأجمل، أو تستخدمه لتقتل نفسك ونفوسا بريئة أخرى.

ليست هناك تعليقات: