01‏/09‏/2014

أنت ما تفكر فيه


 خلق المولى جلّت قدرته الإنسان في أحسن تقويم، ووضع فيه قدرات خارقة من أجل تمكينه من أداء رسالته على هذا الكوكب كخليفة الله، وسخر له الأرض والسماوات وما بينهما من أجل مساعدته على البقاء والنمو والتطور إلى أن يشاء الله، ومن أجل ذلك ميزة الخالق جلّت قدرته بالعقل الخلاق والمبدع الذي بفضله يستطيع الإنسان استغلال ما حوله من مخلوقات الله لتحسين حياته، فالعقل البشري مزود بقدرات خارقة تمكن صاحبها من عمل المستحيل لو أحسن استغلاله، لكن القضية الكبرى أن غالبية الناس لا تجيد استخدام هذه القدرات الاستغلال الأمثل، لأنها ببساطة لا تعلم بوجودها، وهذا هو (السر) الأعظم الذي يقف وراء نجاح البعض وفشل البعض الآخر، إذ أن القوة مهما بلغت غير ذات فائدة إن لم ندرك وجودها وبالتالي نتمكن من استغلالها، ومن صفات هذا العقل أنه مبدع ومبتكر وخلاق، وما الظروف المحيطة بنا والبيئة والتجارب إلا نتيجة لعاداتنا وسلوكياتنا الناتجة عن سوء استغلالنا لهذه القدرات التي منّ بها المولى علينا، وهذا يعني أن كل إنجازات البشر وقواهم وممتلكاتهم إنما جاءت كنتيجة لطريقة التفكير السائدة لديهم سلبا أو إيجابا، فأحيانا قد ترى شخصا حرم من كثير من النعم التي ينعم بها الغالبية منا، لكنك تجده سعيدا، راضيا وفي قمة الثقة بالنفس، سواء كان ما حرم منه عضوا في جسده حرمه نعمة الحركة أو البصر أو الكلام مثلا، لكنك تجد إنجازاته أضعاف شخص آخر منح هذه النعم، لكنه قرر عدم استغلالها لأنه أقنع عقله بأنه لا يستطيع، أو أنه ليس أهلا للإنجاز، سئل (ريفز) بطل أفلام (سوبرمان) مرة بعد تعرضه للحادث الشهير الذي شل جميع جسده باستثناء وجهه عما يفتقده في مرضه فأجاب: لا شيء على الإطلاق، إذ أنني أرى ملايين البشر حولي ما زالوا ينعمون بأطرافهم الأربعة لكنهم لا يستغلونها، وهو محق تماما فإن كان المرء منا يمتلك كل هذه القدرات والمواهب لكنه اختار أن لا يستخدمها فمثله كم لا يملكها، كثيرون حكموا على أنفسهم بالبقاء في اسفل السلم لا لشيء سوى لقناعة تولدت لديهم بأنهم لا يستحقون الأفضل، وأن النجاح أوجد لغيرهم، ممن يرددون عبارات مثل: (أنا وين والمنصب وين!) أو (أنا ما مال تجارة)، هؤلاء مهما توفرت لهم الفرص سيتركونها تعبّر من أمامهم ولن يحاولون أبدا اقتناصها، وهناك من لا ينتظر أن تعبر الفرصة من أمامه بل يسعى هو للبحث عنها، لأنه ببساطة أقنع نفسه بأنه يستحق الأفضل، وأنه قادر على تحقيق أحلامه لو سعى خلفها رغما عن الظروف، هو سلوك ذهني لا أكثر، وشئنا أم أبينا، أدركنا ذلك أم لم ندرك، فأفكارنا هي التي تحدد مساراتنا في الحياة، فشلا أو نجاحا، تعاسة أو سعادة، أفكارنا ممكن أن تقتلنا وقد أجريت الكثير من التجارب على العقل البشري في هذا المجال، من اشهر هذه التجارب والتي ما زالت تستخدم حتى الآن (تأثير البلاسيمو)، والبلاسيمو ما هو إلا منتجات تصنع على شكل عقاقير طبية إلا أنها في الحقيقة لا تأثير أبدا لها على المرض، لكنها عندما تعطى لمريض ويقال له إن هذا الدواء كفيل بشفائك في غضون مدة معينة، لاحظ الأطباء بأن المرضى بالفعل يتم شفاؤهم نهائيا في المدة التي حددها الطبيب، بدون أن يعطوا أي علاج حقيقي، ولا بد أن الكثيرين منكم مرت عليه التجربة التي أجريت على مجموعة من السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، عندما قيل لهم إن إعدامهم سيكون عن طريق شفط الدم من أجسامهم الذي سيجعلهم يموتون دون أن يشعروا بأي ألم، وقد قام الأطباء بتوصيل أنبوب من يد السجين إلى دلو وضع اسفل سريرة، وأقنع بأن هذا الدلو سيجمع فيه دمه، وعصبت عينا السجين حتى لا يرى ما كان يحدث، لكن المفاجأة أن السجين بدأت تظهر عليه أعراض الشحوب وازرقاق الأطراف بعد دقائق من بدء التجربة، وبعد المدة المحددة التي كان من المفترض أن تسقط فيها آخر قطرة دم لفظ السجين أنفاسه، حدث ذلك فقط بقوة العقل الذي اقتنع بأنه ميت لا محالة، وهناك الكثير من التجارب والدراسات المماثلة، لذا فأنت المسيطر الوحيد على مصيرك، من خلال سيطرتك على أفكارك، فنحن مسيرون في بعض شؤوننا لكننا مخيرون في الكثير منها، وأنا أكتب هذه المقالة توقفت قليلا لأتفحص هاتفي فإذ بهذه الرسالة بعث بها أحدهم عبر الواتساب: أنا لا أخشى الفشل، لكنني أخشى أن يتوقف ذلك الصوت بداخلي الذي يقول لي: أنت تستحق الأفضل فلا تتوقف عن المحاولة، سبحان الله هو فعلا ذلك الصوت بداخلنا الذي إما أن يكون دافعا لنا للتقدم وإعادة المحاولة للنهوض بعد كل كبوة، أو يقيدنا بقيد من المحبطات والأعذار الواهية بعدم المحاولة، لأننا لا نستطيع، أو لأننا لسنا أهلا لذاك الحلم الذي وضعناه أمام أعيينا، أتمنى أن يكون الصوت بداخلك صوتا إيجابيا داعما ومحفزا..

ليست هناك تعليقات: