15‏/09‏/2014

الرضا الوظيفي ممكن

تلقيت كثيرا من التعليقات على مقالة (تعبت من الشغل)، البعض منها كان مؤلما حقا، جاءت من أفراد يعيشون معاناة حقيقية من عدم الرضا الوظيفي، كان له تأثير مدمر حقا على حياتهم الشخصية وصحتهم، من جانب آخر، فإن عبارات مثل: لا يبدو أن شيئا يقنع موظفي اليوم، بقدر ما تمنحهم المؤسسة ما يزيد تمردهم وشكواهم وتذمرهم، جاءت على لسان كثير من القائمين على إدارة الموارد البشرية أيضا، قال لي أحدهم: إن المشكلة في جيل اليوم أنهم (طماعون) لا يرضيهم شيء، ولا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب على حد تعبير الحكمة الدارجة، ذهبت تلك الأيام التي كانت القناعة كنزا لا يفنى يرفعه الجميع، لا شك أن القناعة والرضا سمة يطمح ويتمناها الكثيرون، خاصة في مجال العمل، وهي أيضا تعتمد اعتمادا كليا على الشخص، لكن بلا شك فإن المؤسسة تلعب الدور الأكبر في زرع الرضا الوظيفي بين موظفيها، وتستعرض كارولاين روان مجموعة من الوسائل التي تستطيع المؤسسات من خلالها تعزيز الشعور بالرضا عند موظفيها، بدءا من سد الفجوة بين توقعات الموظف والواقع، من خلال مساعدته على تحديد ما يريد مقابل ما يساهم به من أجل عمله، مجتمعه، أسرته، ونفسه، وهي ما يطلق عليها ستيوارت فرايدمان الفوز ذي الاتجاهات الأربعة، لأنه لا بد من تحقيق الرضا في كل هذه الاتجاهات، وهذا لا يعني طبعا بأن المؤسسة مسؤولة عن إشباع هذه الاحتياجات، فهذا أمر ينبع من داخل الفرد، لكن بإمكان القائمين على المؤسسة مساعدة الفرد على رؤية الأمور من زوايا مختلفة، بحيث ينظر للأمور بشكل أكثر إيجابية، ويتحمل المسؤولية، فعوضا عن الشكوى والتذمر والشعور بالإحباط من ساعات العمل الطويلة، يمكن أن يركز على فكرة العودة باكرا للمنزل لو أنه أنهى عملة في الوقت، وهذا يأتي من خلال القدوة، فإن كان القائد نفسه دائم التذمر والشكوى، ودائما ما ينظر للأمور بسلبية، من الصعب عليه أن يزرع الإيجابية فيمن حوله، كما أن أسلوب التواصل مع الفريق له دور كبير في تعزيز الرضا الوظيفي لدى أعضاء الفريق، مع الأخذ في الاعتبار أن ما ينجح مع موظف قد لا ينجح مع آخر، فلكل شخص مفتاحه الخاص، كما أن على القائد أن يؤمن بقدرات أعضاء الفريق ويظهر ذلك لهم، ويزودهم على الدوام بالتغذية الرجعية الصادقة والمحفزة، حينها فقط يمكن أن يكسب ثقتهم، كما أن عليه أن يوفر لهم بيئة عمل مشجعة على العمل والإنتاج، والذي بلا شك سينعكس على مستوى الرضا الوظيفي والذي بدوره سيؤثر إيجابيا على إنتاجية الموظف الدورية، فان فانويك الذي يكتب في نشرة الأجيفمنت سنتر يرى بأن الإنسان لا يمكن أن يصل إلى حد الرضا المطلق، وهو يرى أن عدم الرضا أحيانا مطلوب في العمل، ذلك أن المرء متى ما وصل إلى الرضا التام، توقف عن محاولة تعلم الجديد، والتطوير وتقديم الأفضل، يصف فعدم الرضا كالحاجة فهو أبو الاختراع، فهو يدفع الإبداع والعمل الدؤوب والمتواصلين، ويشجع على المثابرة، وهو الذي يجعلك تقفز من سريرك كل صباح للعودة للعمل والكفاح من جديد، في حين تعرِّف كيت سيلكوت عدم الرضا بأنه ردة فعل عاطفية تجاه ظروف الحياة، كما أن ظروف العمل، والإنجازات، والمسؤوليات المتزايدة، والنمو الشخصي مصادر رضا في حياتنا على الدوام، فبالنسبة للأشخاص الذين يرغبون في تحقيق المزيد فإن عدم الرضا يشعرهم بالسعادة، لأنه يحفزهم على العمل والمساهمة بشكل أكبر، ذلك أنهم عندما يحققون ما يطمحون إليه يشعرون بالرضا والسعادة، مما يجعلهم يطمحون للمزيد من أجل تحقيق مزيد من الرضا والسعادة، فهو إذن عدم رضا إيجابي يمكن للمؤسسات أن تستفيد منه، من خلال إدراكها بأن هناك عوامل أساسية لا بد من تلبيتها ليتحقق الرضا الوظيفي، مثل الأمان، والمال، وظروف العمل، فعدم إشباع هذه الاحتياجات من قبل المؤسسة يؤدي على حد تعبير فريدرك هيرزبرغ الى تركيز المرء على تلبية هذه الاحتياجات الأساسية التي تبقيه على قيد الحياة، مما لا يترك له مساحة للأنشطة الممتعة والإبداع، مما يؤدي إلى تراجع في مستوى الرضا، فإما أن يؤدي ذلك إلى اليأس أو يؤدي إلى محاولات يائسة للتخلص من عوامل عدم الرضا، وتعتبر رؤية ورسالة المؤسسة أداة قوية تساهم في زرع الانتماء والرضا الوظيفي أيضا، عندما تجتمع حولها الجهود، وتتركز حولها الإنجازات، لأنها تجعل الموظف يشعر بأنه جزء من هدف أكبر، وتزرع عدم الرضا الإيجابي من خلال السعي لوضع أهداف نحو تحقيق الرؤيا، كذلك فإن منح الموظفين الحرية في تحديد أهدافهم، ونسب نجاحاتهم لهم، وإشراكهم في اتخاذ القرار، وإنجاز المهام المرتبطة بهذه الأهداف، والمكافأة العلنية على تحقيق هذه الأهداف، تشكل مصدرًا للإلهام وحافزًا للإنجاز

ليست هناك تعليقات: