11‏/08‏/2014

هل يصلح التطوع ما أفسد الروتين

في ظل تنامي الاحساس بالإحباط والروتين في بيئة العمل المصحوبة بالشعور بعدم الانتماء، قد تجد المؤسسات بأن تحفيز موظفيها على العطاء خارج الوصف الوظيفي من الممكن أن يساهم في رفع معنوياتهم وبالتالي إنتاجيتهم، ذلك أن الانسان جلب على حب العطاء، لذا فإن الشعور الذي يجلبه العطاء بدون مقابل لايعادله شعور بالسعادة والرضا، وهناك الكثير من الدراسات التي أجريت تشير إلى الارتباط الوثيق بين الشعور بالسعادة و بين العطاء، ولعل هذا ما يفسر الانتشار الواسع للفرق التطوعية والجمعيات الخيرية في السلطنة خاصة في أعقاب الانواء المناخية (جونو) التي شهدتها السلطنة ومن بعدها (فيت)، والتي جرب خلالها الكثيرون منا طعم العطاء الخالص من أي توقعات للمكافأة أو الشكر، كان العمل استجابة لنداء الفطرة الذي جعل البعض يلقي بنفسه في وسط الواديان لانقاذ روح أخرى تصارع الموت، أو مقاسمة طعمه مع الاخرين، والكثيرون عبروا عن شعور عارم بالرضا لم يجربوه قبل ذلك، لكن هل يمكن أن يتم تطبيق هذه الفلسفة داخل المؤسسات لزيادة الوعي المؤسسي و رفع المعنويات و الرضا الوظيفي بين الأفراد؟!
بعض خبراء الادارة يرون أن تشجيع الموظفين على الانخراط في الأعمال التطوعية يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على مستوى الأداء، فضلا عن كونه وسيلة فاعلة جدا لاكتساب مهارات قيادية لايمكن اكتسابها بطرق التدريب التقليدية، كتعزيز روح الفريق الواحد، وروح الانتماء و الابداع، إضافة إلى إنشاء شبكات تعارف واسعة مع أفراد من كافة شرائح المجتمع، ممن يحملون خبرات مختلفة قد تحتاجها في المؤسسة كما لاشك ستحتاج لخدمات هذه الشبكة من المعارف في توصيلك سواء للموردين أو للزبائن بطرق أقل كلفة وفي زمن أقل ايضا، وهو ايضا ما سيوفر لك المعلومات التي تحتاجها عن السوق الذي تعمل فيه مؤسستك، وتشكل الأعمال التطوعية ايضا بيئة خصبة لمسؤولي الموارد البشرية لاستقطاب الكفاءات المناسبة، التي سمح له العمل معها على تجربتها و الاطلاع على ادائها عن قرب، وهو أمر لا تتيحه وسائل الاختيار في التوظيف التقليدي من اختبارات ومقابلات شخصية، ويعتبر العمل التطوعي سياسة إبقاء فعالة لما يتيحه من تنوع في العمل خارج إطار الروتين اليومي، وهو في الغالب عمل يتسم بالمرونة والتحدي و يتيح التفاعل مع الاخرين، كما يساهم في تقييم الكفاءات ومعرفة مواطن القوة فيها، من خىلال معرفة الأعمال التي يتقنها الفرد وبالتالي القدرات الكامنة فيه التي قد لا تظهر في العمل المعتاد، خاصة المهارات الشخصية كفن الاصغاء و التحفيز وإعطاء التغذية المرتدة، والعمل لساعات طويلة في ظروف صعبة، فضلا عن التعامل الإنساني مع الفئات المستضعفة والمحتاجة التي تخدمه بعض هذه الأعمال التطوعية من فقراء و محتاجين، أو مرضى ومسنين، وايتام و أرامل، ويؤدي العمل مع هذه الفئات إلى تعزيز روح الامتنان والرضى لدى الأفراد، عندما يقارنون انفسهم بالمحرومين من ابناء المجتمع، ممن لا تتوفر لهم الحاجات الأساسية أحيانا والتي لا يعيها المرء قبل أن يفقدها، سواء كان ذلك وظيفة أو مالا أو صحة أو والدا حرم من عطفه، لذا ينصح كثير من الخبراء اليوم المؤسسات بأن تضع العمل المجتمعي ضمن خططها الاستراتيجية، لتصبح جزءا من ثقافة المؤسسة، من خلال تشجيع جميع الموظفين على المساهمة في هذه الأنشطة، بحيث لا تصبح مجرد التزام تفرضه المسؤولية الاجتماعية للشركات النابعة من متطلبات المعايير الدولية، بل ثقافة اختيارية نابعة من القلب، لخدمة المجتمع الأكبر الذي ينتمي له الفرد والمؤسسة على حد سواء، وهي سياسة كانت متبعة في المدارس على أيامنا لست أدري إن كانت مستمرة، من أجل زرع ثقافة العمل التطوعي في الناشئة منذ نعومة أظفارهم، وهو أمر بتنا نفتقده هذه الايام فحتى وقت قريب كان التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع العماني فاعلا للغاية، ويساهم فيه الصغار جنبا مع جنب مع الكبار، سواء من خلال الأسرة أو المدارس فقد كان الصغار يسهمون في تشجير الأحياء السكنية التي يقطنون فيها ضمن الأنشطة المدرسية، وتنظيف الفصول الدراسية والساحة المدرسية، وهي أنشطة كانت تعمل على زرع ثقافة العمل المجتمعي المنظم، وتنمية حس الانتماء والمسؤولية لدى الطفل، لكن في ظل تناقص هذا النشاط اليوم فمن الضرورة زرعه في الأطفال وفئة الشباب الأكبر سنا من موظفين وحتى طلبة جامعيين، إذ ان هناك تعطشاً للعطاء لدى الشباب ربما لمستوى معين من خىلال نشاط التطوعي واسع النطاق للشباب العماني وكذلك تأسيس الفرق التطوعية، التي كان لها نشاط ملموس خلال الفترة الماضية، و بلغت ذروتها خلال الشهر الفضيل، حيث كانت هذه الفرق تجوب الشوارع لإطعام الصائمين، و خلال فترة الخريف نشط المتطوعون لخدمة ضيوف الخريف و توعيتهم بمخاطر الحوادث المرورية الناتجة عن السرعة الزائدة واستخدام الهاتف النقال اثناء القيادة، استمعت شخصيا لحوارات إذاعية للبعض منهم، وهالني مستوى الحماس والشغف الذي كان هؤلاء الشباب يتحدثون فيه عن أعمالهم التطوعية، مما يوحي باستعداد فطري للشباب للعمل التطوعي.

ليست هناك تعليقات: