29‏/06‏/2014

الكتب لا تقرأ من عنوانها


كانت تنتقل على المسرح بثقة أذهلتني، وكأنها قضت عمرها في إلقاء الخطب، تنقل بصرها بين الحضور بثبات وثقة، مستخدمة لغة جسد معبرة ورائعة، لاحظت أن جميع الحاضرات يبتسمن ابتسامة ذات مغزى، فيها كثير من الإعجاب والدهشة، ولاشك أنهن كن يتساءلن مثلي هل من المعقول أن تكون هي الفتاة ذاتها، لقد مضت سنة كاملة على انضمام (إيمان) لبرنامج هي للخطابة والقيادة (توستماسترز)، في وقفتها الأولى على المسرح لم تستطع إنهاء خطابها، فقد دخلت في نوبة بكاء معترفة خلالها بمعاناتها من فوبيا مواجهة الجمهور، التي من أجل التخلص منها انضمت إلى البرنامج، بعد سنة من تلك الوقفة مثلت إيمان السلطنة في مسابقات الخطابة الإقليمية في (ديتاك 2014) التي استضافتها العاصمة مسقط خلال شهر ابريل، أمام حشد من فرسان الخطابة العرب، لذا لم يكن غريبا أن تختار عنوانا لخطابها ذاك (كيف تعلمت) ملخصة فيه تجربتها مع برنامج التوستماسترز التي امتدت على مدار عام واحد واختتمته بمشاركتها في تمثيل السلطنة، فجاء خطابا صادقا ومقنعا ومحفزا، كان أجمل ختام لسنة حافلة بالدروس بالنسبة لي شخصيا، فقد ظننت بأنني بتأسيس هذا البرنامج أساهم في مساعدة النساء على تخطي عقبة الخوف من مواجهة الجمهور، وتعلم مهارات التواصل الفعالة، التي أنا على يقين تام بأنها أهم المهارات التي نحتاجها كنساء في هذا العصر، لكن ما تعلمته من هؤلاء النسوة فاق كل توقعاتي، لعل أهم ما تعلمته ألا أستهين بإصرار الأنثى على التفوق، وأن الكتب لا تقرأ من عنوانها أبدا، وهو الدرس الذي علمتنيه عضوات برنامج (هي) وخاصة (فاطمة) تلك المرأة التي يحمر وجهها خجلا من مجرد التقاء عينيها بعين محدثها، لذا عندما سجلت اسمها من ضمن المتنافسات في التصفيات وبفئة الخطب الفكاهية وباللغة الانجليزية، ترددت كثيرا في وضع اسمها ضمن المترشحات، لكنني وجدت نفسي مضطرة لذلك لعدم وجود ممثلة عن البرنامج باللغة الانجليزية، وضعت اسمها ولسان حالي يقول: ستكون تجربة بالنسبة لها لخوض المنافسات، وليس مهما الفوز، لم أكن أعرف حتى تلك اللحظة بأنها تجيد اللغة الانجليزية، وكنت شبه واثقة بأنها لايمكن أن تؤدي خطابا فكاهيا، والأهم من ذلك كنت أشك في قدرتها على الوقوف على المسرح أمام هذا العدد من الجمهور الذي يمثل كافة شرائح المجتمع من خطباء متمرسين لهم باع طويل في الخطابة والتمرس، لذا بدأ قلبي يدق بشدة وهي تصعد على المنصة في قاعة المؤتمرات بالمستشفى السلطاني حيث تجري التصفيات قبل النهائية، وعندما رأيت وجهها وقد تحول إلى اللون الأحمر كنت مستعدة للقفز من مقعدي لنجدتها وسحبها من المسرح، لكنها انطلقت في الحديث وبلغة انجليزية مذهلة، وبحس فكاهي ترك من في القاعة فاغرين أفواههم معظم الوقت، وضجت القاعة بالضحك، واستطاعت فاطمة أن تحرز للبرنامج  الكأس الفضي بفوزها بالمركز الثاني على مستوى أربعة أندية من ضمنها نادي المستشفى السلطاني والتأمينات الاجتماعية وصور وساب، بالنسبة لي كانت تلك مفاجأة عمري، والدرس الأكبر بأن لا أحكم على الآخرين من خلال المظهر الخارجي، فاطمة استأذنت في ختام الاجتماع السابق للنادي أن تلقي كلمة قصيرة تشارك فيها العضوات تجربتها مع برنامج التوستماسترز، الذي كان له تأثير على حياتها الخاصة بشكل لم تتخيله، قالت معبرة عن ذلك: علمني التوستماسترز أن أقول كلمة لا التي لم أكن أتجرأ على التلفظ بها قبل أن يعلمني كيف أكسر خجلي، حديثها ذاك ألهم الدكتورة أمينة للحديث عن تجربتها أيضا، هي التي انضمت للبرنامج بتحريض من شقيقتها، اعترفت الدكتورة أنها لم تعتقد أنها ستكون قادرة على الوقوف على المنصة والحديث أمام الناس، لكن أمينة شاركت أيضا في التصفيات ومثلت السلطنة في فئة الخطب الدولية، وقفتها في قصر البستان أمام ذلك الحشد الكبير شجعها على قبول دعوة لإلقاء ورقة في مؤتمر طبي قبل أيام، تعترف بأنها لم تحلم بأن تخطو خطوة كهذه، وقد أثار اداؤها إعجاب الحضور وحصلت على عروض لإلقاء أوراق عمل من بعض المؤسسات الصحية المشاركة في ذلك المؤتمر، استماعي لهذه التجارب كان ختام مسك واحتفالية جميلة بمضي عام على تأسيس البرنامج، الذي أشعرني أن التجربة كانت تستحق كل ذلك الجهد والوقت الذي بذل فيها، أن يشعر المرء بأنه يستطيع أن يصنع فرقا في حياة الآخرين شعور رائع لا يعادله شعور، وهؤلاء النسوة ساهمن بكل تأكيد في صنع هذا الفرق في حياتهن وحياة من حولهن، من خلال تعلم مهارة التواصل هذه التي تجعلنا أذكى اجتماعيا في التعامل مع من حولنا، وفي التعبير عن ذواتنا وعن رغباتنا، وإقناع من حولنا بوجهات نظرنا أزواجا كانوا أم أبناء أو مسؤولين في العمل.

ليست هناك تعليقات: