13‏/06‏/2014

إذا فات الفوت؟

كنت بصدد إلغاء الرسالة التي وصلتني عن طريق الواتساب قبل قراءتها، لكن عنوانها حال دون مسحها ووجدت نفسي أشرع في قراءتها، ولأيام عدة ظل موضوعها يشاغلني، وما زاد من تأثير وقعها عليّ أنه في اللحظة ذاتها وجدت زميل عمل سودانيا يرسل لي قصيدة سودانية معبّرة للغاية، تدور حول المعنى ذاته، كل هذا وأنا أقرأ كتاب ستيفن كوفي (الأول أولا) شعرت وكأن هذه إشارة بأن عليّ التوقف والتفكير في مسيرتي الحياتية، فقد أصبحت موقنة بأن لا مكان للصدف في الحياة، وأن كل شيء يحدث لنا له سبب، وأن البشر أعداء وأصدقاء إنما يدخلون حياتنا لتأدية دور ما، لن أثير فضولكم أكثر فموضوع الرسالة هو ملخص كتاب لبراوني واير الأسترالية حول أكثر خمسة أمور ندم عليها المرضى على سرير الموت، وواير كانت ممرضة قبل أن تنتقل للعمل كموسيقية مستفيدة من الشهرة التي حققها كتابها هذا، وقد كانت تعمل ممرضة لرعاية المرضى الميؤوس من شفائهم والذين يعيدهم المستشفى للمنزل لانتظار الأجل المحتوم، وتتردد عليهم واير التي كانت تقضي الأسابيع الأخيرة من حياتهم معهم، وهو ما أتاح لها مشاركتهم اعترافاتهم الأخيرة عن الحياة، وأجبرها على تغيير مسارها هي الأخرى، وقد تناولت في كتابها ذاك خمس أشياء ندم عليها أغلب من شاركوها اعترافاتهم وعلى رأسها: أن الجميع تمنى لو عاش حياته كما أراد لا كما أراد وتوقع منه الآخرون، فالكثيرون يتخلون عن أحلامهم وطموحاتهم حتى يكتشفوا أنه فات الأوان عليها، فالصحة كما ترى الكاتبة هي الحرية التي لا ندركها للأسف إلا عندما نفقدها ونعيش حبيسي أسرة المرض أو كراسي العجز، الأمر الثاني الذي ندم عليه كافة المرضى وخاصة الرجال منهم هو أنهم قضوا أعمارهم في العمل الدؤوب، فضاعت عليهم فرصة تجربة الحياة الحقيقية سعيا وراء المنصب والدخل العالي، الذي يكتشف المرء متأخرا بأنه لو أحسن الاختيار لاكتشف بأنه ليس بحاجة لكل تلك الأموال، ولا المناصب للحصول على الاحترام والتقدير، وأن هناك سبلا أقل كلفة وأيسر كثيرا لتحقيق الرضا، وأنه بوجود مساحة في حياته يكتشف أنه ممكن أن يكون سعيدا، وما كان فوت على نفسه كثيرا من الفرص التي كان ممكنا أن تجعل من حياته أكثر سعادة وثراء، تمنى الكثيرون أيضا لو أنهم ملكوا الشجاعة للتعبير عن مشاعرهم الحقيقية ورغباتهم، وعدم إخفائها سعيا لرضا من حولهم، ولهذا ظلوا قانعين بتجارب اعتيادية مملة، ولم يحققوا ذواتهم، والكثيرون أوصلوا أنفسهم إلى سرير المرض من خلال كبت مشاعر الغضب والمرارة التي حملوها طوال تلك السنين كنتيجة حتمية لذلك، صحيح أننا لا نستطيع التحكم في ردود فعل الآخرين تجاه صراحتنا كما يقولون، لكن هذا لا يجب أن يمنعنا من التعبير بصراحة عما يجول في خواطرنا قد لا تعجب الصراحة الطرف الآخر لكنها حتما سيكون لها على المدى الطويل عائداً إيجابياً، إذ سيدرك من يحبك صادقا أمانتك، وستكون فرصة لك للتخلص ممن لا تشكل في حياته أهمية، فكلا الحالتين انت لست خاسرا، والسبب التالي للندم كان مفاجأة لي شخصيا بحق ولعله السبب الذي لا يوليه الكثيرون منا الاهتمام الذي يستحق، وهو التواصل مع الأصدقاء الحقيقيين الذين تلهينا عنهم الحياة، لكننا نتذكرهم بشدة على سرير الموت ونتمنى فقط لو عادت بنا الحياة إلى الوراء للبحث عن الأصدقاء والأحبة الذين ضيعناهم في خضم انشغالنا بالجري وراء المناصب والثروات، كان هذا أكثر الأسباب إيلاما للجميع، السبب الأخير للندم كما أوردته الكاتبة هو أن الجميع تمنى لو أنه جعل حياته اكثر سعادة، إذ لا يدرك الكثيرون منا أن السعادة اختيار وأنها مهارة يمكن تعلمها بسهولة، لكن الكثيرين بقوا حبيسي روتين قاتل، وعادات وسلوكيات، فالخوف من التغيير جعلهم حبيسي منطقة الراحة التي لم يبرحوها طوال حياتهم، وجعلهم يتغنون بالقناعة في حين أنهم كانوا يتوقون بشدة لضحكة صافية من القلب، تمنياتي عليكم وعلى نفسي أن نعيد حساباتنا في الحياة، فلله الحمد والمنة أننا لم نصل إلى سرير الموت بعد، وأن الكثيرين منا محظوظون فعلا لأن لدينا الوقت – أطال الله وبارك في عمر الجميع – لنقيم حياتنا ونصحح مساراتنا، وهذا الوقت من العام وقت مناسب لنطوي به صفحة قديمة والبدء من جديد، فالفرصة لم تفت بعد، ونعيش الحياة التي تنادي بها القصيدة التي ذكرتها والتي يقول مطلعها (لو أعيش زولا ليهو قيمة اسعد الناس بوجودي…أبقى للأطفال حكاية حلوه من ضمن الأحاجي)، فرغم بساطة كلماتها لكنها ككتاب واير تحمل معنى عميق ورسالة قوية!
وأنت على سرير الموت آخر ما تفكر فيه هو كيف يراك الاخرون.

ليست هناك تعليقات: