12‏/05‏/2014

«كريم كراميلكريم عبدالله باعبود

لم يأت حديث عن البرنامج الاذاعي (حديث الروح) إلا وسئلت إن كنت قد تابعت لقاء الدكتور عبدالله باعبود، الذي أشعر بالخجل من مجرد الاعتراف انني لم اسمع به من قبل، ويكفي برنامج (حديث الروح) نجاحا أن يكون قد قدم لنا شخصية بهذه الروعة، الحقيقة انني سمعت جزءا بسيطا جدا من تلك الحلقة صدفة أثناء تصفحي للقنوات الاذاعية، وكان الدكتور يتحدث عن حادثة احتجاز الطلبة العمانيين من قبل الشرطة البريطانية، وكيف تدخل هو وعائلته للافراج عنهم، وأذكر أنني أغلقت المذياع بعد أن وصلت وجهتي، ولم أعرف حينها هوية المتحدث، حتى تكررت المطالبات بأن أستمع إلى تسجيل الحلقة من اليوتيوب، وكنت قد وضعتها ضمن خططي عندما تسنح الفرصة، لكن رسالة من قارئ عربي كريم جاءتني كتعليق على مقالتي التي سجلت فيها انطباعاتي عن المذيعة نايلة البلوشية، وذيلت الرسالة بذات السؤال: هل استمعت إلى لقاء المذيعة مع الدكتور عبدالله باعبود؟ وأعقبها بتعريف بسيط عن الدكتور وتعليق مفاده بأن (قطر قد فازت به)، وهي العبارة التي استفزتني واثارت فضولي للبحث عن معناها، ولم يكتف القارئ الكريم بهذه الرسالة بل أعقبها مشكوراً برسالة فيها رابط الحلقة التي استضافت فيها مذيعة (حديث الروح) الدكتور عبدالله، والتي اثار استماعي لها كثيرا من المشاعر المتناقضة، فمن الشعور بالدهشة لوجود شخصية مثل الدكتور عبدالله لا نعرف عنها نحن العمانيين، في الوقت الذي يعرف بها العالم، إلى شعور عارم بالفخر لإدراكي بأن عمان ما زالت وستظل تنتج العظماء كما شهد تاريخها الطويل، إلى حزن لكون شخصيات كشخصية الدكتور عبدالله وأمثاله من مبدعي عمان، يعيشون ويموتون دون أن يحتفى بهم كما يليق بهم، ولا يعرف النشء عنهم بقدر معرفته عن ميسي وانجلينا جولي، فبعد هذه الحلقة استمعت إلى حوارات مع شخصيات أخرى لا تقل روعة عن شخصية الدكتور، ورحلات كفاح تنحني امامها القامات احتراما وإجلالا، من المؤسف حقا أن صناعة النجوم محصورة في ذوي اللمعان الزائف، وهو أحد عيوب الاعلام المعاصر في كافة أنحاء المعمورة، اذ اصبح نجوم الكرة والمطربون والممثلون هم القدوة والمثل الأعلى للشبيبة، بكل ما يمثلون من قيم ومظاهر زائفة، وأصبح حلم النجومية الذي يعد بالثراء السهل والمريح مطمح أبنائنا، الذين سوق لهم الاعلام وهم النجاح السريع، الذي أصبح مرتبطًا بالشهرة والمال، لكن الناجحين الحقيقيين بعيدون في الغالب عن الثراء والشهرة، يموت عالم جليل، ومخترع عبقري، ويدفن دون أن يعلم به أحد، في حين تتصدر صورة جورج كلوني وخطيبته اللبنانية، جميع الصحف والمجلات والمواقع، النجاح كما ذكر الدكتور في حواره ليس (حلوى كريم كراميل) نتناوله بملعقة، بل هو رحلة كفاح طويل، والنجاح ليس هو الهدف، وإنما هو الطريق وهو الرحلة، وهي رحلة رائعة ومذهلة بكل تفاصيلها تلك التي أخذها الطفل الظفاري من جبال ظفار إلى قصر السلطان سعيد بن تيمور في مدينة صلالة ضمن مجموعة قليلة من الأطفال بهدف التقدم لبعثة دراسية على نفقة شركة النفط العمانية، وليتفاجأ به والده الموظف في القصر ويفاجئه بقراره، لم يعترض الاب الحكيم ويتذرع بأن ابنه طفل لا يحق له اتخاذ قرار مصيري كهذا، في زمن كان الفتى اذا بلغ السابعة أصبح يعد رجلا يستشار ويسمح له باتخاذ قرار، اليوم تستمر الطفولة إلى سن العشرين، وحتى في هذا السن يعجز أبناؤنا عن اتخاذ قرار مصيري؛ لأننا عودناهم أن نقرر عنهم، يفوز الطفل بالمنحة، التي لسوء حظه لم تدم طويلا فقد شبت الحرب الأهلية في لبنان مقر دراسته، فعاد مع رفاقه دون أن يكمل دراسته، لكن عندما حطت به الطائرة في العاصمة مسقط، رفض أن يغادرها إلى صلالة متخذا قرارا شجاعا بمقابلة السلطان الشاب الذي علم بأنه خلف والده وهو يقيم في مسقط، وكما بدأت المنحة الأولى من قصر سعيد بن تيمور حظي الطفل عبدالله ورفاقه بمنحة أخرى من قصر ابنه السلطان الشاب الذي تفاجأ بحرس قصره يخطروه عن وجود أطفال عند بوابة القصر يرغبون في لقائه، بدون مواعيد وبروتوكولات وبدون أسئلة، يسمح لهم بلقائه ويستمع لهم بانصات شديد، ويمنحهم أمنية طرقوا بابه من أجلها، لتكتمل رحلة الكفاح المذهلة من بلد إلى بلد حتى انتهت بالشاب عبدالله باعبود في المملكة المتحدة التي أنهى دراسته العليا فيها، وعمل وما زال في أعرق جامعاتها في قسم دراسات الخليج العربي، وهو القسم الذي استحدثته أيضا جامعة قطر وعينته مديرا له، وهو ما فسر لي عبارة القارئ الكريم بأن قطر فازت به، هي رحلة رائعة أدعو كل شاب يبحث عن قصة محفزة، ونموذج رائع للنجاح، وقدوة حقيقية، ومثل مشرف للنجاح أن يبحث عنها ويستمع إلى تفاصيلها المثيرة والممتعة في آن معا، نجاح استحقه الدكتور عبدالله بكل جداره، ويستحق فعلا أن يفتخر به..

هناك تعليقان (2):

عبدالله الرحبي يقول...

بوركت أناملك أستاذه . .

larva يقول...

لكم جزيل الشكر