05‏/05‏/2014

سلام فإني عماني

لا نفكر كثيرا نحن العمانيين قبل أن نلقي التحية على من يصادفنا، فهي تأتي بالفطرة على ما يبدو، الأسبوع المنصرم كنت في زيارة قصيرة إلى البحرين الجميلة، من اللحظة التي دخلت فيها المطار وأنا أبادر بالابتسام وإلقاء التحية على من يصادفني، والتي دائما ما أحصل على أفضل منها، بدءا من الموظفة التي أنهت إجراءات سفري، بدعوة أن يحفظني المولى في حلي وترحالي، مرورا بموظف الأمن الذي ختم جوازي، وموظفة الاستقبال في قاعة رجال الأعمال، التي حيتني بابتسامة رائعة أنعشتني، وحتى المضيف الجوي، فالسلام أمر لا نفكر فيه كما قلت كثيرا، فهو يأتي تلقائيا عندما ندخل إلى مكان فيه أشخاص، لذا كان من الطبيعي أن أبتسم وألقي التحية على المرأة التي وقعت عيني عليها صدفة في المطعم صبيحة اليوم التالي أثناء تناولي وجبة الإفطار، لكن مفاجأتي كبيرة عندما بادرتني المرأة بنظرة استنكار وكمن يقول: ما شأنك أيتها المرأة هل أعرفك؟!
الهدوء على ما يبدو سمة أخرى يتصف بها العمانيون، ويعرف بها عند الآخرين، فقد تفاجأت بموظفة الاستقبال من الجنسية الفلبينية أثناء مغادرتي الفندق، تمنحني ابتسامة عريضة وهي تقرأ اسمي، وتعتذر لأنها لم تلتقِ بي خلال الأيام الماضية من إقامتي، ثم بادرت بالقول: كنت متشوقة لرؤية عماني، فقد زرت عمان قبل فترة، وذهلت من رقي تعامل أهلها ودماثة خلقهم، سألتها أي المدن زرتي في عمان؟ ففاجأتني بأنها عبرتها (ترانزيت) فقط أثناء زيارة لها إلى كينيا- أي أنها لم تغادر المطار- لكنها وكمن قرأ الدهشة على وجهي بادرت قائلة: لقد صادفت شابا عمانيا وأنا أحاول أن أستدل على وجهتي في المطار، فما كان منه إلا أن اصطحبني إلى حيث كنت أريد، فهو لم يكتف بأن يرشدني عندما لاحظ الحيرة التي كنت فيها، لقد كان شابا راقيا جدا، وخدوما، لقد أخذت انطباعا عن العمانيين بأنهم شعب راق، عرفت اليوم عندما رأيتك بأن سمة الهدوء غالبة عليكم جميعا فقد كان أغلب من صادفتهم في المطار يتميزون بالهدوء، ونبرة صوت هادئة جدا.
أدهشني كيف أن لقاء عابرا مع شخص قد لا يمتد سوى للحظات يمكن أن يعطي انطباعا عن شعب كامل، فهذه الفتاة لا شك كما نقلت انطباعها لي، نقلته لغيري، وكل من سمع الانطباع عنها سينقله بدوره لغيره، وهلم جرى، ماذا سيكون الموقف لو أن الشخص الذي التقت به، تصرف عكس التصرف الذي بدر من ذاك الشاب يا ترى؟!، طبعا من غير العدل أن نحكم على أمة كاملة بتاريخها وحضارتها من خلال موقف شخص واحد سلبا أو إيجابا، لكن الحقيقية المرة أن هذا ما يحدث فعلا، فليت كل من قابل شخصا فكر قليلا عن كونه لا يمثل فقط نفسه أمام الآخرين، وإنما يمثل البيت الذي خرج منه، والوالدين اللذين ربياه، والبلد الذي ينتمي إليه، والديانة التي يعتنقها، والعرق الذي ينتمي إليه… الخ.
في تلك الفعالية لم يذكر اسمي إلا فيما ندر، فقد كان الجميع يشير لي (بالعمانية)، بدءا من المرأة التي استقبلتني، مرورا بالنساء اللائي شاركتهن الطاولة، وانتهاء بمضيفاتي ممن كن يقدمنني للجميع على أنني العمانية، يشعر المرء في مثل هذه اللحظات بالمسؤولية التي يحملها على عاتقه، والتي لا يعيها الكثيرون للأسف، الأخطر عندما نكون سفراء للديانة التي نعتنق، ففي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر المؤسفة، تحولنا إلى إرهابيين في عيون العالم، ووسم ديننا بالعنف وهو دين السلام والمحبة من خلال تصرف مجموعة من معتنقيه، وهي الفكرة التي دارت حولها قصة الفيلم الهندي (اسمي خان)، لأسطورة السينما الهندية شاه روخ خان، الذي عبر عن هذه الفكرة بشكل رائع جدا.
لكن من نعمة الله علينا أن تعهد بحفظ هذا الدين وسخر له من الشخصيات الرائعة الكثير من كافة أقطار العالم مسلمين وغير مسلمين، ممن أخذوا على عاتقهم الدفاع عنه، وتمثيله خير تمثيل.
لا شك أنها مسؤولية عظيمة هذا التمثيل، سواء كان تمثيلا للقارة التي نقطن، أو الوطن الذي نحمل جنسيته أو العرق الذي نحمل دمه، لكن طالما أننا نحملها فمن غير المناسب أبدًا أن نسيء لها، من خلال تصرفات مشينة تسيء لنا قبل الآخرين، ونتذكر دائما أننا لا نمثل انفسنا خاصة في بلاد الغربة، أو حين نتعامل مع أجانب في بلادنا، فكثير من الشخصيات التي صادفتها في عمان، تحمل ولله الحمد صورة رائعة عن عمان وأهلها، بسبب رقي العمانيين في التعامل مع الغير، وهو ما أتمنى أن نزرعه في الأجيال القادمة، لأنه في بعض الأحيان تصادف المرء بعض التصرفات التي أرى شخصيا أنها تخالف العرف، أو بالأحرى بعيدة عن الشخصية العمانية التي نعرف.
المواطنة مسؤولية قبل أن تكون حقا، ومن واجباتنا تجاه هذا الوطن أن نمثله خير تمثيل، داخله وخارجه، لأننا الصورة الظاهرة لهذا الوطن، والتي سيحكم عليه الآخر من خلالها.

ليست هناك تعليقات: