03‏/02‏/2014

آباء وأبناء – 2



لم أكن مستعدة مطلقا لردود الأفعال القاتمة التي سببها مقال الأسبوع الماضي بعنوان آباء وأبناء، الذي كان يتناول أجمل العلاقات الإنسانية على الإطلاق وأنبلها ألا وهي الأبوة والأمومة التي دائما ما ارتبطت بمعان سامية مثل الحب والتضحية والحنان والأمان، وحتى بعد مضي ما يزيد من عقد ونيف من وفاة والدي لكني ما زلت شخصيا أشعر بالفخر لمجرد ارتباط اسمي به، وتمتلئ ذاكرتي بذكريات رائعة عنه رحمه الله، وارتبطت الأمومة دائما عندي بصورة أمي فائقة الحنان، المعطاءة، المحبة، ولم يتبادر إلى ذهني أبدا وأنا أكتب ذلك المقال بأنني بذلك أقلب على البعض منكم المواجع، وأن هناك صورا معاكسة تماما للصور التي عندي عن الأم والأب، إلا أنه يبدو أن البعض قد ابتلوا بآباء وأمهات خلت قلوبهم من هذه المشاعر النبيلة فلم يستطيعوا أن يمنحوها لأبنائهم، من خلال قصة تلك القارئة التي وصفت والدتها بالشيطان المتنكر على شكل أم، لا أجد ما أرد به عليك وبالفعل عجز قلمي عن إيجاد كلمات تصف مقدار الألم الذي شعرت به وأنا اقرأ رسالتك.
لذا قد تجدون ما أكتب هنا نوعا من المثالية، وقد يقول قائل منكم إن من الاستحالة تنفيذ ما أطلبه منكم، لكن مهما كانت بشاعة الوضع الذي تعيشه مع والديك، هناك أمل في إصلاح هذه العلاقة، أو ربما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه منها، من أجلك أنت، فالعيش في جحيم مثل هذا ما تبقى لك من عمر مدمر، وقد يؤثر حتى على علاقتك بأبنائك في المستقبل، ويقف حائلا بينك والنجاح الذي تسعى له، وإن كنت تشعر بالجرح غائرا في قلبك من تأثير هذه العلاقة غير السوية، ولم تستطع الخروج منها بمفردك، يمكنك اللجوء إلى مستشار نفسي أو أسري ممن تثق بيهم، وهناك الكثير من الكفاءات العمانية في هذا المجال، وحاول أن تجد عذرا لوالديك في هذه القسوة غير المبررة، قد يكونا هما أيضا عاشا طفولة غير سوية انعكست على سلوكهما معك، ولا شك أنهما يتألمان بالقدر نفسه من هذا الخلل في العلاقة، طبعا يظل لكل علاقة خصوصيتها وكثير من التفاصيل التي لم تتضمنها رسائلكم والتي وحدكم تعرفونها، لا يوجد إنسان سيئ مائة بالمائة، فبذرة الخير موجودة فينا جميعا، سلوكيات البعض منا القبيحة تغطي على الخير فيه، وتطغى على إيجابياتنا، ابحث عن الإيجابيات في والديك وحاول التركيز عليها، يكفي انهما سبب وجودك على هذا الكوكب، قد يكون هذا هو الدور الذي جاءا ليلعباه في حياتك فحسب، اعمل جرد للذكريات التي ربطتك بهما، واجتهد في تسجيل الذكريات السعيدة منها، استرجعها بشكل يومي، وتخيل هذه الذكريات أو المواقف تتكرر في مرحلة مستقبلية، قم بصياغة بعض التوكيدات اللغوية التي تحتوي على عبارات إيجابية بشأن علاقتك مع والديك، العلاقة التي تريد وتتمنى، اكتب وصفا في جمل قصيرة لهذه العلاقة، بصيغة المضارع، وضعها حيث تكون في متناول يدك على الدوام، شيئا فشيئا ستبرمج عقلك اللاواعي على محبة والديك، وسينعكس هذا الحب على تصرفاتك معهم، مما سيؤثر حتما على مشاعرهم تجاهك، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، أنت لا سيطرة لك على سلوكيات والديك تجاهك، لكن حتما تستطيع السيطرة على سلوكياتك معهم، إن لم يكن من أجلهم فمن أجلك أنت، أنا شخصيا من اشد المؤيدين للتوكيدات اللغوية، وهي أحد تطبيقات البرمجة اللغوية العصبية التي تستخدم لإعادة برمجة العقل اللاواعي، واستبدال المشاعر السلبية بأخرى إيجابية، استخدمتها وما زلت منذ سنوات طويلة، ورأيت تأثيرها على عدد ممن جربوها، أيا كانت التقنية التي ستستخدم عليك اتخاذ قرار سريع لاصلاح علاقتك بوالديك، لأنك لا تستطيع المضي في حياتك وأنت تحمل هذا الكم من الألم بداخلك، سينعكس هذا سلبا على صحتك الجسدية والنفسية على حد سواء، وسيؤثر على علاقاتك بمن حولك، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فإن سمحت للغضب والحقد بالتسرب إلى روحك تجاه أبويك، سيشغل هذا الحقد حيزا كبيرا من قلبك، ولن يترك مكانا للحب والتسامح فيه، جرب أن تشعر بالشفقة على والديك، لأنني شخصيا فعلا شعرت بالشفقة عليهما، فأناس يحملون كل هذه القسوة في قلوبهم على أقرب الناس لهم، لا يستحقون سوى الشفقة، ليس ابشع من الحرمان من الشعور بالأبوة والأمومة السوية، ليس ابشع من أن تحرم من الرحمة والحنان على فلذة كبدك، هم لا شك يتألمون أضعاف ألمك، لكن يصعب عليهم الاعتراف بذلك، أوجد في قلبك مجالا للتسامح معهم والتصالح مع نفسك تجاههم، حاول أن تعمل حصارا على قلبك ضد المشاعر السلبية، اشغل نفسك بأمور إيجابية، ولا تجعل سوء علاقتك بوالديك شغلك الشاغل حين تنسد عليك طرق الإصلاح، امض في طريقك ادعوا لهم بالهداية، ولا تجعل هذا يؤثر على سير حياتك، فهذا أضعف الإيمان.

ليست هناك تعليقات: