14‏/02‏/2014

هدية سهى



صباح كل يوم عمل يرافقني صوت المذيعة سهى الرقيشية الدافئ يحمل لي الأمل والتفاؤل، من خلال برنامج صباح الشباب الذي يبث عبر أثير قناة الشباب من إذاعة سلطنة عمان، والذي اكتشفته مؤخرا عن طريق الصدفة البحتة، وقد بات بالفعل هو الأنيس خلال رحلة الذهاب إلى العمل، خاصة عندما أعلق في زحمة الطريق أثناء الرحلة التي باتت تستغرق مني ما يزيد عن الساعة في أغلب الأحيان وتصل إلى ساعتين في الظروف الاستثنائية، لكن يأتي صوت سهى يهون على السائقين الأمر ويدعوهم للتفكير بإيجابية، أمر حتى أنا أجد صعوبة فيه خاصة عندما أكون مرتبطة بموعد عمل مهم في الصباح الباكر، لكنني أجدني أنصاع لها كطفله تلقت توبيخا من والدتها على عمل شيطاني بدر منها، وأنتشي فرحا إذا وصلت فقرة (هدية اليوم) التي يحسن القائمون على البرنامج اختيارها كل مرة قبل أن اصل إلى مقر عملي، الأمر الذي أعادني للموسيقى التي هجرتها زمن بسبب انغماسي في القراءة السمعية، وإن كان صوت سهى الرخيم هدية صباحية جميلة بحد ذاته، لديه القدرة على بعث الانتعاش إلى روحي كل مرة، وإغوائي بالتأخر عن عملي أحيانا إذ ما وجدت الهدية فعلا لا تقاوم -  ودائما هي كذلك – أو أجدني أهرع أحيانا إلى جهاز الحاسب الآلي خاصتي، استكمل فيه قراءة القصيدة التي أكون قد وصلت إلى مقر عملي دون أن انتهي من سماعها بصوت سهى – وشتان طبعا بين القراءتين – أو أعود للبحث عن رسائل جبران لفدوى طوقان التي لم يتسن لسهى استعراضها كلها، فيعود بي الحنين قويا إلى عشقي الأول الذي هجرت بحكم طبيعة عملي وضيق الوقت الذي حصرني في قراءة ما يتعلق بعملي وحده أو موضوعات هذه الصفحة، حتى الرواية باتت بالنسبة لي رفاهية، ألجأ أحيانا إلى وضعها في جدول أعمالي كمكافأة لنفسي على عمل أنجزته، إذ لم يعد لدي الوقت الكافي لقراءة الروايات التي شكلت جزءا كبيرا من اهتماماتي، وكانت تشكل لي الملجأ والمهرب من روتين الحياة، ومصدر بهجة ومتعة حقيقية، يدهشني كيف أننا ننسى أحيانا أو نتناسى هوايات أو اهتمامات جميلة كانت يوما تبعث الفرح في قلوبنا، سواء كانت موسيقى أو نصا أدبيا أو أية هواية استسغناها يوما، متناسين أن هذه الهوايات هي بهارات الحياة، التي تضفي عليها المتعة، وتخرجنا من الروتين، وجفاف تجارب الحياة أحيانا، فما زلت أذكر تلك الأيام الذي كان فيه صوت أبوبكر سالم يستطيع أن ينقلني من أكثر المواقف كآبة، لأرحل معه إلى وديان اليمن السعيد، أو صوت فيروز الذي يأسرني ويحلّق بي إلى جبال لبنان، فهذان الصوتان قادران على جعلي أتسمر في سيارتي حتى بعد أن أكون قد وصلت إلى نهاية مشواري، إذ لا تجرؤ يدي أن تطفئ المذياع الذي ينساب منه صوت أبوبكر وفيروز، ليس بالضرورة طبعا أن تكون الهواية موسيقى أو شعرا، فالهوايات تتعدد بتعدد أذواق البشر، وسعيد هو من تطورت لديه الهواية إلى مهنة يمارسها بشغف، إذ أن الكثيرين منا يمارسون وظائف يغلب عليها الروتين القاسي، أو وظائف فرضت عليه بحكم الحاجة لمصدر رزق، قبل فترة تناولت وسائل الإعلام قضية مطالبة ألمانيا بلوحات فنية لزعيمها النازي هتلر من الولايات المتحدة الأمريكية، وقد هالني أن أكتشف بأن رجلا كهتلر كانت له هواية جميلة كالرسم، هو الذي رسم خارطة العالم بالدم، لكن يبدو أن الهواية لا ترتبط بمنصب أو مهنة، فقد كانت هوايات كالصيد والفروسية والموسيقى وكذلك الشعر جزءا من تاريخ كثير من الملوك والشخصيات التاريخية على مر العصور، وإن اختلفت هذه الاهتمامات باهتمام العصر الذي عاشت فيه هذه الشخصيات، وما نتاج فكر الإنسانية من أدب وشعر وموسيقى إلا نتيجة هواية سخر لها أصحابها حياتهم، وعكفوا عليها سنوات طوال، ليهدوا للبشرية لوحات فنية تستمتع بها الأجيال على مر العصور، حتى اختراعات العصر الحديث ما كانت يوما سوى هواية وشغف لدى مكتشفيها قبل أن تتحول إلى اكتشاف يخدم الإنسانية جمعاء، فلولا هوس بيل جيتس بهوايته المتمثلة في اكتشاف أسرار أجهزة الحاسب الآلي، ما أوصل هذا الحاسب الشخصي إلينا اليوم، وأتاح لي أن اكتب هذه الكلمات التي سيقرأها بشر في شتى أنحاء العالم، وربما لسنوات طويلة قادمة إذ سيظل العم جوجل يوصل بعض القراء إلى حروفي صدفة أثناء رحلة بحث عشوائية، هذه الكتابة التي كانت يوما ما هواية جميلة ألجأ لها لنفض غبار الملل عن روحي، أو أبوح من خلالها بما لم أستطع البوح به لمن حولي، تحولت اليوم إلى واجب تطالبونني به كل أسبوع، لكنها حتما تبقى الهواية الأجمل على الإطلاق، انفضوا الغبار عن هواياتكم القديمة واجعلوها جزءا من برنامجكم اليومي، فهذا حري به أن يعيد النشاط إلى قلوبكم وعقولكم على حد سواء، وإضفاء البهجة على حياتكم.
http://main.omandaily.om/?p=74282

ليست هناك تعليقات: