16‏/09‏/2013

في الابتلاء رحمة!!


خضت خلال الشهور الماضية أصعب امتحان في حياتي الذي اختار المولى جلّت قدرته أن يضعني فيه، وكان من الممكن أن يصيبني بانهيار تام لو حدث قبل دراستي لتقنيات التفكير الإيجابي التي استعرضها في هذا العمود وفي المدونة، للحظة ظننت أن الحياة ستأخذ مني الرجل الذي بات هو الحياة بالنسبة لي، والذي لم ولا أعتقد بأنني سأكون قادرة على حب مخلوق كما أحببته، رجل تعلمت على يديه معنى الحب الحقيقي، والوفاء بأسمى آياته، رجل يمثل الكرم في أجمل صوره، كرم المال وكرم المشاعر على حد سواء!
مرت أمامي ذكريات المعاناة النفسية التي سببتها وفاة والدي المفاجئة، والتي أدخلتني في حالة اكتئاب نفسي امتدت لسنوات، فشعرت برعب شل أطرافي عن الحركة، وكان من الممكن أن يفقدني حتى السيطرة على عقلي الذي أوشكت على فقدانه من شدة الهلع، كان هذا الموقف امتحانا ربانيا في قوته، وحمدت الله سبحانه وتعالى كثيرا على اجتيازي له، فلم اكن أدرك حقا مقدار التغيير الذي حدث في شخصيتي خلال السنوات الأخيرة.
على الرغم من أن المولى جلّت قدرته ما فتئ يرسل لي الامتحان تلو الآخر، لكن هذا كان أصعبها على الإطلاق، لجأت للقراءة التي لطالما كانت المخرج من مواقف كهذه، وهداني تفكيري إلى كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) الذي ساعدني بشكل كبير في التفكير بوضوح، وعزز في إيمان برحمة الخالق وقدرته، إلى جانب الدعاء والتضرع للمولى سبحانه وتعالى.
تجاوزت الأزمة، وكما توقعت، وكما تكرر معي قبل ذلك خرجت اكثر قوة، وأكثر إيمانا، وامتنانا للخالق جلّت قدرته على رحمته الواسعة، وعلى حكمته في إرسال هذه المصائب بين الفينة والأخرى، لتجعلني أعرف قيمة الأشياء والأشخاص في حياتي، الذين ربما تشغلني الحياة وأحداثها اليومية عن إدراكها بصورة أوضح، وربما تنسيني مشاغل الحياة إياها. ولدهشتي الشديدة شغلتني هذه المحنة عن اختبار صغير آخر في الجانب الآخر من حياتي- حياتي المهنية – حيث تضاءل ذلك الدرس الصغير لدرجة أنني لم اشعر على الإطلاق به، وخرجت منه بمكاسب لم أحلم بها على الإطلاق لعل أهمها أنني اكتسبت شخصيات رائعة في حياتي، إذ كشفت لي المحنة معادن الناس من حولي، أشخاصا لم أكن حتى أعلم بوجودهم تطوعوا بالدفاع عني ومساندتي وإظهار دعمهم لي بشكل أعجز حقا عن شكر المولى عليه، وهي نعمة لا تتاح للمرء إلا فيما ندر، لذا اعتبرتها أجمل مكاسبي لهذه الفترة، والأهم من ذلك أنها كشفت لي جوانب من شخصيتي لم اكن حتى أنا أدرك وجودها، أمر جعلني اشعر بالرضا فعلا عن نفسي، والامتنان للكريم المنان على ذلك.
لقد أوصلتني تلك الظروف إلى قناعة بأهمية إدارة الذات كأسلوب وحيد لحياة آمنة مستقرة، وأن الحياة فعلا ما هي إلا مجموعة من المهارات والفائز فيها هو من عرف كيف ينمي ويطور هذه المهارات وبالتالي استغلالها الاستغلال الأمثل، فالسعادة أسلوب حياة وهي الطريق وليست الهدف، بالتالي يدرك المرء في مثل هذه الظروف أهمية أن يعيش اللحظة لأنها بالفعل هي كل ما يملك، فالمستقبل علمه عند خالق الكون، والقلق بشأنه لن يؤدي إلى نتيجة سوى إطالة المعاناة، والماضي فات ولن يعود! وهذه العقبات التي يرسلها سبحانه ضرورية لنمو وتطور الإنسان، تماما كما يساعد السقوط المستمر والحمى المتكررة التي يصاب بها الرضيع في تقوية جهاز المناعة وبرمجة الخلايا بالأمراض المختلفة حتى تستطيع في المستقبل أن تتعرف عليها ويعمل جهاز المناعة على إيجاد علاج لها، بذلك يعالج الجسم ذاتيا أكثر من 85% من الأمراض التي يصاب بها دون تدخل طبي، فسبحان من جعل في المصائب خيرا لهذه الأمة، وسبحان من جعل في الابتلاء رحمة: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلاْمَوَالِ وَٱلاْنفُسِ وَٱلثَّمَرات وَبَشّرِ ٱلصَّابرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا أصابتهم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ راجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ) «البقرة:155-157».
فكر معي في مواقف مرت عليك خلال حياتك كلها، خلتها مصائب ومحنا، وأظهرت لك الحياة فيما بعد بأنها كانت رحمة من رب العالمين، وخرجت منها بعدد لا بأس به من الخير والمنافع، التي ما كنت ستحصل عليها لولا أن الأمور حدثت بعكس ما أردت أنت، وأن معاكسة الحياة لك من حين إلى آخر الغرض منها تغيير مسارك إلى المسار الصحيح الذي يوصلك إلى أهدافك، وتجد نفسك تردد أن الخير فيما يختاره الله سبحانه وتعالى، وهذه حقيقة لا شك فيها، فسبحانه هو علام الغيوب يعلم ما فيه خيرك، في حين تعجز بصيرتك المحدودة عن تمييز هذا الخير الذي قد يظهر لك متخفيا على هيئة مصيبة، فتحاول تجنبها بكل الوسائل ولولا رحمة الله بك ولطفه ما وصلت لها.

هناك تعليقان (2):

ناصر - مسقط يقول...

ما علاج الإحباط في حال لم يخرج أكثر قوة وإيمانا من الإبتلاءات ولم يشعر بجدواها في تقوية نفسه وشخصيته بل زادته ضعفا وإنكسارا ؟؟

ناصر - مسقط يقول...

ﺍﻟﺴﻼ‌ﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ

ﻣﺎ ﻋﻼ‌ﺝ ﺍﻹ‌ﺣﺒﺎﻁ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ أن الإنسان ﻟﻢ ﻳﺨﺮﺝ ﺃﻛﺜﺮ ﻗﻮﺓ ﻭﺇﻳﻤﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﺍﻹ‌ﺑﺘﻼ‌ﺀﺍﺕ ﻭﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺠﺪﻭﺍﻫﺎ ﻓﻲ ﺗﻘﻮﻳﺔ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ﺑﻞ ﺯﺍﺩﺗﻪ ﺿﻌﻔﺎ ﻭﺇﻧﻜﺴﺎﺭﺍ  ؟؟