04‏/06‏/2013

عمانيات


إن الأنواء المناخية التي تعرضت لها السلطنة منذ سنوات قد أظهرت معدن العمانيين الحقيقي، وفضحت عيوب هشاشة بنيتنا الأساسية، وسوء التخطيط الإسكاني الأمر الذي جعل الحكومة الحكيمة تتدارك الأمر عند إعادة البناء، فكثيرون منا يدرك أن هذه الشوارع والجسور التي تزين جيد مسقط الجميلة ما كان لها أن تظهر في هذا الوقت وهذا الشكل ربما لولا ما كشف جونو وفيت عن هشاشة استعدادنا للأنواء المناخية، اليوم تشهد مسقط حركة عمران لم يشهدها تاريخها القديم ولا الحديث.
انتقد الكثيرون سياسة عمان ذلك الحين في رفضها للمعونات الخارجية، وإصرار عاهل البلاد المفدى أن يعيد العمانيون بناء عمان، سياسة انتهجها مولانا منذ بدء النهضة أن تبنى عمان بأيدي أبنائها، رغم مطالبات كثيرة على مر العقود الماضية أن يتم استيراد خبرات من الخارج في بعض المجالات كالإذاعة والتفزيون وغيرها، لكن عاهل البلاد المفدى كان يدرك أنه لو تعود العمانيون على من يعمل نيابة عنهم ما كان لهم أن يكتسبوا مهارات، وحدها التجارب ووحدها الأخطاء ما سيشد عود شبيبة عمان، عملا بمقولة أن التعليم ضرورة ملحة لكن لاغنى عن الخبرة، والخبرة لا تكتسب إلا من خلال التجربة، تماما كما يفعل الصينيون بأطفالهم الرضع من اجل تعليمهم السباحة، فهم يلقون بالرضيع في الماء في سن مبكرة جدا من حياته، لقد أخطأنا كثيرا خلال هذه المسيرة وما زلنا نخطئ وسنستمر في الخطأ ربما لكن هذا شأن التجارب الإنسانية جميعا، المهم أن نتعلم من الخطأ ونرميه خلفنا ونمضي، مؤسسات وأفرادا.
من عاد لزيارة عمان اليوم يقف وقفة إجلال وإعجاب بالفكر الذي يقف وراء عملية البناء الهادئة هذه، التي لم تأت بسهولة كما يدرك العمانيون، ولم يكن الثمن الذي دفع فيها زهيدا!
اليوم تعود سيول مسقط لتثبت لنا مرة أخرى رحمة الخالق بهذه الأمة التي شرفها المصطفى عليه الصلاة والسلام بالدعاء لها، وتكشف لنا العيوب الصغيرة التي ظهرت في الجسور التي دفعنا فيها غاليا، جاءت والعمل ما زال جاريا عليها، ربما لو لم تحدث هذه السيول الآن ما كنا سنكتشف هذه العيوب، وكانت البلاد تكبدت خسائر كبيرة!.
لا يختلف البشر عن الأمة في ذلك، فكما أظهرت لنا السيول عيوب تخطيط مدننا وهشاشة البنية الأساسية، تعمل المواقف على إظهار معادن الناس الحقيقية، لتثبت أن الرجال مواقف فعلا، وإن كنت تريد أن تعرف من أي معدن هو صاحبك جربه عند المحن، فهناك من تظهر بالفعل هشاشة بنيانه الأخلاقي عند أول امتحان بسيط ويسقط القناع مخلفا وجها قبيحا، وروحا بشعة!
أو تظهر الشدة معدن المرء النفيس الذي غالبا ما يجيد البعض إخفاؤه تحت أقنعة من الزيف والخوف والتواضع ربما، أتساءل أحيانا إن كان هؤلاء الشباب الذين رأيناهم يضحون بحياتهم من أجل إنقاذ أناس لا يعرفونهم كانوا يدركون أنهم يمتلكون هذا القدر من الشجاعة وإنكار الذات والإقدام، وهل كان هذا الشخص الذي صارع الوادي طوال هذه الساعات كان يدرك مقدار قوته ولياقته البدنية!.
سبحان من جعل لنا المصائب مدارس تعلمنا، وتجبرنا على تقييم ذواتنا، واكتشافها، فكم من مصيبة تمخضت عن نعمة عظيمة لم ندركها في حينها، وكم من موقف تعرضنا له كشف لنا زيف وهشاشة علاقاتنا، وكم من صديق كنا حتى لا نلاحظ وجوده أثبتت لنا الأيام مدى إخلاصه وتفانيه، وكم من وجوه ضحكت لنا ومجدتنا وعند أول اختبار بسيط تهاوت وسقطت أقنعتها، كاشفة عن روح!.
المحن نعم عظيمة لا ندرك قيمتها في حينها، لكن فقط عندما نعود بالذاكرة إلى تلك الأوقات التي قد تكون هي الأصعب في حياتنا، ندرك رحمة رب العالمين بنا، وفضله علينا، إذ تأتي دائما النعم العظيمة متنكرة على هيئة محن، العاقل فقط من يدرك هذا، أيا كان الموقف الذي يزعجك الآن، وأيا كان حجم المصيبة الذي تستشعره، وأيا كانت فداحة خسارتك، ثق بأن الكريم المنان سيعوضك خيرا، فهو سبحانه وعد في محكم كتابه العزيز «إن مع العسر يسرا»، تدبر هذه الآية سبحان الله، وإعادة قراءتها وكأنك تقرأها للمرة الأولى، وتدبرها، يجعل المرء يدرك رحمة المولى بنا.
نلجأ كثيرا إلى إلقاء اللوم على الظروف من حولنا أو على الآخرين عندما نتعرض لموقف نخسر فيه عزيزا، أو حلما تطلعنا إليه طويلا، أو مالا جمعناه بمشقة، وننسى في خضم همومنا هذا الوعد من الكريم المنان، وأن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن يسلبونا شيئا كان لنا ما قدر لهم ذلك، دون مشيئة مسير هذا الكون بإنسه وجنه، فتبارك من بيده ملكوت كل شيء

هناك 3 تعليقات:

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
عُمان بلد صاحب حضارة اثبت حضارته بإستقليته بالقرار ونأيه عن اي تدخل قد يعود عليه وعلى غيره بالضرر في جميع قضايا العالم.
المعلومة الوارة بخصوص رفض جلب الخبرات ، هي قد تكون مقننة ببعض الخبرات الضرورية لفترة معينة وذلك لتحل محلها الخبرة الوطنية خصوصاً في الاعلام فقدت الكثير من الدول هويتها الحقيقة جراء الاخذ بخبرات ثقافات مختلفة عن ثقافة البلد عكس ما نراه في عُمان لازال يحمل ثقافة البلد.
وما التكافل الاجتماعي إلا دليل سياسة واعية تنشد العدالة الاجتماعية هذا فقط ما يحمل البلدان من الازمات والتدخلات الخارجية العدالة الاجتماعية وتقاسم الثروات بالسوية، المستغرب فقط إقامة عُمان علاقات مع الكيان الصهيوني وإن في ادنى المستويات
حتى يأذن الله بقراءة اخرى كونوا بخير

Unknown يقول...

لا شك أنه لا غنى عن تبادل الخبرات لكن في حدود ضيقة بحيث لا تطغي الكوادر الوافدة على المحلية و هذا ما نحاول القيام به في عمان

ناصر - مسقط يقول...

السلام عليكم

ما هي أصعب التحديات التي واجهتيها حين دراسة الماجستير في بريطانيا وكيف تغلبتي عليها ؟

في أي جامعة درستي وفي أي منطقة في بريطانيا ؟