26‏/05‏/2013

عام سعيد يا كليتي العزيزة




لايمكن ان اصف لكم شعوري ذلك الصباح عندما فتحت (الواتساب) ووجدتها قد وضعت في البروفايل صورة كيكة و قد كتب عليها (عيد ميلاد سعيد يا كليتي العزيزة) و قد رسم على الكيكة صورة كلية متوردة، على مدى سنوات طويلة  وهذه الشابة تحولت إلى مصدر الهام و امل دائم في حياتي و حياة الكثيرين ممن عايشوا تجربتها مع الفشل الكلوي الذي اكتشفته فجأة و بدون سابق انذار في أوج شبابها، كانت قد وضعت مولودها الأول بعد مدة من ارتباطها بمن كسب عقلها و قلبها و أختارته زوجا يشاركها الحياة الوردية التي تصورتها لنفسها، و انتقلت إلى منزلها الجديد الذي كانت قصة الحصول عليه معجزة ربانية بحد ذاتها، بسعره الخيالي و موقعه الاستراتيجي و مساحته الكبيرة، بتمويل من جهة عملها التي تمنح قروض بدون فوائد لموظفيها، فقد كانت قد حصلت على وظيفة العمر في مؤسسة مرموقة يحلم الكثيرون بالانتساب إليها، كانت في قمة سعادتها و رضاها عن نفسها فقد حققت الكثير من أحلامها في زمن قياسي، و حصلت على ما لم تحلم به الكثيرات من حولها، وفي ذروة هذا النجاح و هذه السعادة فوجئت بطبيبة المؤسسة و هي تعمل لها الفحص الدوري كمتطلب لتجديد التأمين الصحي الذي كانت تتمتع به من ضمن إمتيازات وظيفية أخرى بأن عليها التوجه للمستشفى السلطاني فورا لبدء عملية غسيل كلى نظرا لتلف كامل في كليتها، كان ممكن أن ينزل خبر كهذا كالصاعقة على فتاة في مثل ظروفها، لكن ليس عليها هي التي تسلحت بإيمان عجيب حير كل من حولها، جميع محبيها انهاروا أمام هذا الخبر، وحدها ظلت مبتسمة تواسي الجميع و كأن الأمر لا يعنيها، من حسن حظها أنها لم تضطر أن تبدأ غسيل الكلى ذلك أن أفراد اسرتها تنافسوا على التبرع لها، مدفوعين ربما بتلك الشجاعة النادرة التي أظهرتها تلك الفتاة، لن انسى شخصيا ما حييت تلك الابتسامة التي ودعت بها والدها عند مدخل غرفة العمليات بالمستشفى السلطاني الذي اصرت على اجراء العملية فيه رغم معارضة من حولها قائلة (بلدي ستكون أحرص على حياتي من غيرها)، علت وجهها ابتسامة عريضة و هي تمسك بيد والدها مطمئنة: سأعود قريبا، انتظرني! و عندما فتحت عينيها بعد العملية كانت الابتسامة هي ردة فعلها الأولى و أعقبتها: ألم اقل لكم أنها عملية بسيطة؟!، بعد العملية مباشرة أخطرت بأنها مصابة بداء (الذئبة الحمراء) وهو مرض مناعي يهاجم أنسجة الجسم، و أنه قد يهاجم عضو آخر إن لم تتم السيطرة عليه، و هكذا كان فبعد سنة من استقرار حالة الكلية الجديدة و تقبل جسدها لها، بدأ المرض يهاجم مفاصلها و تعرضت لالام مبرحة للغاية منعتها من النوم ليال طويلة، لكن ما كان الشكوى و التذمر واردا ابدا لهذه الفتاة التي لم تتوقف عن حمدالله سبحانه وشكره في كل حالات مرضها، مصبرة من حولها بأن الله يحبها كثيرا لأنه ابتلاها في حياتها، و أنها لن تقابل كرم الله سبحانه وتعالى لها بالجحود و النكران، و ظل لسانها يلهج بشكر الله سبحانه و تعالى مع كل نوبة ألم، مستعيضة به عن الصراخ و الأنين، في ذكرى كليتها الجديدة السنوية اضطرت الى استبدال مفصل الورك الأيمن، و بعد عام آخر هاجم المرض مفصل الورك الثاني و أقعدها عن الحركة، حتى اضطرت أن تعود مرة أخرى لتستبدله هو الاخر، وفي كل مرة لم يزدها ذلك إلى ايمانا، ولم يزد من حولها الا اعجابا بشجاعة هذه الفتاة و ايمانها المطلق برحمة الله بها، التي كانت تخجل من الشكوى و التذمر له، كنت في كل مرة أراها فيها تدهشني بروح الأمل التي تستحيل على غيرها في وضع مشابه و هي تردد على مسمعي: إن الله سبحانه وتعالى يحبني جدا، وأنا ممتنة له بذلك، بالنسبة لي كانت هذه الفتاة مصدر الهام لا ينقطع، وتذكير دائم بنعمة الصحة التي هي أعظم نعم الله سبحانه و تعالى علينا، بدونها لا نستطيع الاستمتاع بكل النعم الأخرى من نجاح و أولاد و مال، و كذلك نعمة الصبر التي لا تتأتى للأسف للكثيرين منا، فأمام ابسط إمتحان نجد إرادتنا تنهار سريعا، لذا فإن هؤلاء البشر ممن من عليهم المولى بهذه النعمة مغبوطون بها، لأنها نعمة عظيمة بحد ذاتها، نسال الله جلت قدرته أن يمن بها علينا، لنستعين بها عند الابتلاء، و أن يثبت قلوبنا بالايمان دائما و أبدا، و أن يشفي مرضانا و يصبرهم على البلاء، و أن يجزي بطلة مقالي هذا عني و عن الكثيرون خير الجزاء، لأني أعرف أنها لم تكن مصدر الهام و تذكير بعظمة الخالق لي وحدي لكن للكثيرون ممن عايشوا تجربتها، من كوادر طبية و معارف و أفراد أسره، و أن يمن عليها بشفاء تام لا سقم بعده!

ليست هناك تعليقات: