24‏/03‏/2013

احتقار النجاح



كنت أراقبهم وهم يقلبون ما بدا لي أنه إحدى الصحف المجانية التي انتشرت في عماننا الحبيبة هذه الأيام، مسترقة السمع إلى حوارهما الذي ايقنت بأنه شيق من الضحكات العالية التي كانت تخرج من هؤلاء الفتية- عادة جديدة اكسبتني إياها الكتابة على ما يبدو- اذ جعلتني أكثر فضولا مما تعودته مني، لعلني بت أبحث عن موضوع مقال الأسبوع التالي في كل وجه يصادفني، مما أثارني في ذلك الحوار أن الفتية مروا على جميع الشخصيات التي شاء قدر أصحابها أن تتناولهم الصحيفة ذلك اليوم، من وزراء وفنانيين وكتاب ومسؤولين حكوميين، ولم يسلم شخص واحد من تعليق ساخر وقاتم في آن واحد، حيث استغرب أحد الشبان من وصول هذا الشخص إلى منصب وكيل وزارة وهو لا يتعدى أن يكون ابن (سماك) على حد تعبيره، وذلك الثري اكتسب ثراءه من تهريب ابائه للذهب إلى الهند، وتلك المذيعة التي يكاد الثوب الذي تلبسه أن يجعلها أقرب إلى المهرج الروسي منها إلى فتاة عمانية، لم ير أحد هؤلاء الفتية كيف أن ذاك السماك كان عظيما فعلا ونموذجا للوالد الذي يحق لأبنائه ان يفخروا به لكونه استطاع أن يربي ابنه ليصبح وكيل وزارة، أوليس هذا الابن رائعا حقا لكونه استطاع أن يتغلب على ظروف نشأته المتواضعة ويشغل هذا المنصب المرموق الذي غالبيتنا نحلم به، ذلك المهرب ألم يكن بنظركم رجلا شجاعا مغامرا مقداما، انني حتى لا أستطيع تخيل الأخطار التي تعرض لها ذلك الرجل من أجل إنجاح عمليات التهريب تلك ليخرج نفسه من واقع كان العمانيون يعيشونه وقد رضوا به رغم قسوته، في حين رفض هو ذلك الواقع واستطاع أن يكون له ثروة طائلة في زمن كان غالبية العمانيين يجاهدون من أجل قوت يوم اخر يبقيهم على قيد الحياة، ليس هؤلاء الفتية وحدهم طبعا من ينظر هذه النظرة الدونية للناجحين في الوقت الذي يمني نفسه بأن يكون لديه ربع ما يملكون من نجاح وثراء، ويمارس البعض كل أنواع الاحتيال والتملق من أجل الوصول إلى منصب في المؤسسة أو يضيف إلى رصيده أرضا حكومية حتى إن لم يستحقها سعيا وراء الثراء، ورغم ذلك تجده يحتقر من سبقه الى ذلك الثراء وذلك النجاح، موقنا بأن الجميع وصل لما وصل إليه بطرق غير مشروعة ليس لسبب سوى لكونه هو يحاول اللحاق بهم باستخدام تلك الطرق، أو يبقى تحت أسفل السلم يرقبهم يرتقون سلم النجاح أمام عينيه وهو عاجز عن وضع يده على بداية ذلك السلم، فيحاول عرقلة سيرهم، لاهو يرحم ولا يترك رحمة ربه تنزل على حد تعبير المثل الدارج، من اين وكيف بدأنا نحتقر النجاح الى هذا الحد؟! في حين تمجد الشعوب الأخرى النجاح، ننظر نحن في هذا الجزء من العالم نظرة شك وريبة لكل من يكون النجاح حليفه، فإذ ما انعم المولى على أحد ما بثروة سواء عن طريق ربح في تجارة او حصل على وظيفة مرموقة، بدأ الشك يحوم حوله، ويذهب البعض إلى ابعد من ذلك ويحلف لك جازما ان هذا الشخص لم يكون ثروته عن طريق الحلال، وهو إما ان يكون مرتشيا أو لصا، واذ ما حصل زميل على ترقية وظيفية حتى بدأت العيون رحلة بحث عن مصدر (الواسطة) التي أوصلت هذا الزميل إلى الترقية، وسيتم تجاهل سنوات الخبرة التي يتمتع بها صاحب الترقية، وكفاحه الطويل على مدى عقود في الحصول على المؤهلات العلمية مغتربا من بلد الى بلد، تاركا اسرته وحياته ، متنساين كل الجهود التي بذلها في سبيل الارتقاء بالعمل، والمشاريع الضخمة التي نجح في تنفيذها، والمبالغ الطائلة التي وفرها على المؤسسة، وقد يذهب البعض إلى ابعد من ذلك بعد أن فتحت محكمة القضاءالاداري ابوابها وظهر نوع من المحامين الذين لن يتوانوا في قبول قضية مدركين عدم جدواها من أجل ايضا الثراء على حساب معاناة الآخر، إذا حصل آخر على أرض في منطقة قريبة فذلك حتما كثر ظهور فنان او مبدع في الصحف فهو باحث عن الشهرة متصنع..قال معاوية : كل الناس أقدر أن أرضيهم إلا حاسد نعمة، لا يرضيه إلا زوالها!.. هل أخفقنا كآباء في زرع روح المنافسة في ابنائنا وتربيتهم على الكفاح، هل أخفقنا في تنشئتهم على تمجيد النجاح والسعي له والاجتهاد من أجله يا ترى، أم هل فشلنا في زرع روح الاعتداد بالنفس والترفع عن الحسد واحتقار الاخر؟! أين الخلل يا ترى، كيف اصبحنا شعبا يحتقر النجاح بهذه الطريقة!.

هناك 4 تعليقات:

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
مؤسف حقاً ان يكون الحسد والتذمر بسبب وجيه او بدونه هو هم الناس وحديثهم اليومي متناسين من هم دونهم بالقدرات والمقام .
للاسف يحتاج المجتمع إعادة نظر في الكثير من المفاهيم والتى منها النجاح وطرق نيله ولا يكون إلا من خلال فهم النجاح فهماً صحيحاً اولاً وتلقين الذات ذلك الفهم الصحيح ثانياً.
كما ان الفساد والمحسوبية التى لا يمكن نكرانها ايضاً لهي احد اسباب الاحباط والنظرة الدونية للنجاح .
وتساؤلاتكم هي محل عناية لمن اراد الحق والحقيقة واراد النجاح .
حتى يأذن الله بتأمل حالة من احوال البشر كونوا بخير حال .

Unknown يقول...

الاحباط هو النتيجة الحتمية لهكذا سلوكيات للاسف، و هذا هو الخطورة في الموضوع أخي علي

ليـل منصـور يقول...

فعلاً من لا يستطيع الوصول للقمّة .. يحاول الإيقاع بمن يقترب منها ..

Unknown يقول...

لكن الكلاب تنبح و القافلة تسير يا سلايل سيف..