02‏/04‏/2013

سري للغاية

ينادي الكثيرون بالشفافية في بيئة العمل كمفهوم جديد دخل عالم الادارة الحديثة، إلا ان مفهوم الشفافية في الحقيقة قديم قدم البشرية، ورسخت جذوره في تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف منذ قرون طويلة من خلال مفهوم الشورى، ولا يمكن في الحقيقة أن يستوي أي عمل إداري سواء كان على مستوى الأمة أم المؤسسة أم حتى المنزل دون ترسيخ هذا المبدأ، فهو يتفق مع الفطرة الانسانية السوية، لكن الشفافية كمبدأ يكاد يكون مغيبا في المؤسسات ليس في عمان فحسب لكن في أغلب دول العالم، التي يغلب على تعاملاتها البيروقراطية والسرية المبالغ فيها، حيث القرارات تؤخذ خلف أبواب مغلقة، وحيث مصطلحات مثل "سري" تستخدم على أغلب المراسلات خشية أن يطلع عليها الموظف "صاحب الشأن" لكونها مراسلات خاصة به وتعنيه وتمسه ويتعلق بها مصيره المهني ومصير أولاده ، لكنه الوحيد غير المصرح له بالاطلاع عليها، إما خشية عرقلته للقرار الذي يعرف متخذوه أنه لن يرضى به، ولا يستثنى من ذلك تقييم آداء الموظف الذي هو أيضا يتسم بالسرية الشديدة ، فيقضي سنوات عمله دون أن يعرف تقييم مسؤوليه له ونقاط الضعف والقوة في أدائه، فلا يسعى بالتالي إلى تحسين ادائه، والنتيجة أن يتقاعد الكثيرون دون ان يحرزوا اي تقدم مهني يذكر، واذا ما قررت الادارة أن الاداء غير مرض سيكون الاجراء هو اقصاء الموظف وإبعاده عن الواجهة وتكليفه بمهام روتينية تقتل فيه اي طموح أو رغبة في التقدم، واذ ما تمرد هذا الموظف على وضعه هذا وصف بأنه مثير للمشاكل، وهي سمة يوسم بها المجيدون الذين غالبا ما يتميزون بروح الشجاعة والصراحة ورفض الواقع، بينما يتم تكريم المتملقين ممن لا يرفضون للإدارة أمرا، وبالتالي يتم حرمان المؤسسة من مواهب وقدرات هذه الفئة من الموظفين الذين قد لا تنم سلوكياتهم عن حقيقة ما يحملون من أفكار، يمكن لو أتيح لها أن ترى النور ان تعمل فارقا حقيقيا في أداء المؤسسة وبالتالي الامة بشكل عام، ويمتد غياب الشفافية إلى حواراتنا مع بعضنا البعض كزملاء في المؤسسة ومع رؤسائنا ومتخذي القرار، التي يغلب عليها الأدب المفتعل، في كتابه الرائع (الفوز) يعزي الرئيس االتنفيذي السابق لشركة اي بي ام جاك ويلشيش اسباب إخفاق كثير من المؤسسات إلى غياب الشفافية والصراحة في بيئة العمل، ذلك ان غياب الصراحة يقتل الأفكار الخلاقة ويعرقل سير العمل ويحول دون التنبؤ بالمشكلات قبل تفاقمها، وعدم الصراحة لا يعني الكذب المضلل لكن يشمل حتى عدم التعبير عن مشاعرنا الحقيقية أو الأفكار التي تراودنا حول موضوع عمل معين، من باب الأدب الجم الذي اشتهرنا به نحن العمانيين بالذات، أحيانا تجنبا للمشكلات أو جرح إحساس من حولنا ، فنضطر إلى تهوين الأخبار السيئة، أو إخفائها عن المسؤولين المباشرين ايا كانت مستوياتنا الادارية، فيحتفظ الجميع بماء وجوههم لكن على حساب العمل ومصالح المؤسسة، لكن الصراحة تؤدي إلى إيجاد بيئة عمل خلاقة ومبدعة يتم تبادل الاراء فيها بشفافية، وتتبلور هذه الأفكار من خلال النقاشات الهادفة التي تصقل بحيث يمكن تحسينها وتطويرها بشكل يعود بالنفع على المؤسسة والأفراد بشكل عام كما يرى ويلش، كما تؤدي إلى تحسين الكفاءة والفعالية في بيئة العمل وسرعة إنجاز المهام، وهو ما ينعكس على سرعة أداء الخدمة للمراجعين الذين يضطرون أحيانا إلى التردد على المؤسسات الخدمية لأشهر قاطعين مئات الكيلومترات من محافظاتهم إلى العاصمة مسقط، كما تؤدي إلى تخفيض كبير في المصروفات اذ سيتم الاستغناء عن الاجتماعات الطويلة غير المجدية في كثير من الاحيان، والتقارير والدراسات التي يتم الانفاق عليها ببذخ من ميزانية المؤسسات ليكون في النهاية مصيرها درج المسؤول لأن من أعدها في الغالب بيت خبرة يفتقر إلى الدراية الكاملة بثقافة المؤسسة وبالتالي احتياجاتها الفعلية، والحقيقة ان ما يحول بيننا وانتهاج الصراحة يعود في الغالب إلى تربيتنا ونشأتنا التي تفرض علينا اللباقة والكياسة التي من ضمنها عدم التعبير عن ارائنا بصراحة أمام الاخرين كما أسلفت، لذا فإن المطالبة بالشفافية في هذه المرحلة ستتطلب الكثير من التغيير في السلوكيات قبل أن تكون قرارا إداريا يتخذ، لكونها متعلقة بطبيعة إنسانية متأصلة جذورها في كثير من شرائح المجتمع، كثرة الحديث عن الشفافية بداية حتى تصبح مصطلحا نعتاد عليه في حواراتنا اليومية، نحرص عليه ونمتدحه كسلوك في من حولنا ونذم من يفتقر إليه حتى نألفه كأفراد، وحبذا لو بدأنا من داخل السرة الصغيرة وعززناه ثقافة وخلقا في الناشئة في سن مبكرة جدا، لأن الآراء الصريحة تخيف الناس بطبيعة الحال، لكن إذ ما تعودوا عليها ستصبح سهلة التقبل، وستنعكس حتما على سير العمل في المؤسسة، هو إذن ليس قرارا إداريا يتخذ

هناك تعليق واحد:

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
فاقد الشيئ لا يعطيه وإذا ما اهتم به ما سعى إليه.
الشفافية ضرورة يقرها العقل والدين من خلال المراقبة والمحاسبة عن كل فعل وردت فعل ، التربية و الثقافة هي تعزز وجودها بدون ذلك تبقى مصطلح هلامي يشار إليه دون ان يعرف
حتى يأذن الله بشافية واضحة نافعة كونوا بشفافيتكم صادقين مبدعين