03‏/02‏/2013

ستيفن كوفي الذي رحل


من ضمن الذين غيبهم الموت في العام المنصرم ثلاثة من أهم اصدقائي، الذين لم ألتق بهم يوما ولم يعلموا بوجودي طبعا، لكنني عايشت الكثير من تجاربهم وذكرياتهم من خلال كتاباتهم ومحاضراتهم التي كان لها تأثير كبير على حياتي في العقود الأخيرة، ولا ابالغ حين اقول ان الكتاب هم أقرب الاصدقاء إذ ان هذا واقعا عايشته طوال حياتي، فمنذ سنوات طفولتي الأولى والكتاب هو صديقي الذي لا يفارقني، هو ملجأي عندما تهاجمني الوحدة، وهو مصدر الترفيه عندما تضيق بي الدنيا، ومصدر الدعم والمساندة، مع الكتب رسمت أجمل أحلامي، ومعها سافرت القارات حتى قبل ان أعرف السفر الحقيقي الذي تحول هو الاخر إلى عشق ينافس عشق القراءة عندي، كل ما تعلمته في حياتي والكثير مما حققت كان بفضل هؤلاء الأصدقاء المجهولين الذين كنت أتجرع خبراتهم وتجاربهم طوال سنوات عمري، سواء كانوا أدباء في مراحل حياتي المبكرة أو خبراء تنمية بشرية في السنوات الأخيرة، ولعل أكثر هذه الشخصيات تأثيرا على حياتي كان الراحل ستيفن كوفي بكتابه (العادات السبع لأكثر الناس فعالية) والذي اطلعت عليه قبل أن يكتسح موج تطوير الذات العالم العربي بسنوات طويلة، وكان ذلك عند صدوره الأول في عام 1989، في تلك السن المبكرة لم يعجبني ما كان ستيفن كوفي يكتب، فقد جاء يناقض ما كنت اسعى لتعلمه في تلك الفترة عن النجاح الذي كان يمثل لي المال والشهرة والمنصب الوظيفي، لكن كوفي كان يقول بأن هذه الامور ثانوية للغاية، وأن المال لا يجب أن يكون هدفا بحد ذاته، هجرت الكتاب سنوات طويلة واستمريت في رحلة السعي وراء (النجاح) بمفهومي أنا، لكن كثرة الحديث عن الكتاب في السنوات الأخيرة دفعني إلى اللجوء إلى مكتبتي بحثا عنه، وكنت قد تجاوزت مرحلة الشباب، وانطفأ ذلك الحماس لتغيير الكون، وفتحت الكتاب بعد أن طحنتني الحياة وعلمتني التجارب، وكانت قراءة مختلفة تماما عن قراءتي الأولى له، قرأت الكتاب مرارا كما قرأت العادات السبع ملخصة على يد الكثيرين، لكن ما تعلمته على يد ستيفن كوفي شيئين اثنين فقط، غيرا حياتي إلى الأبد، وقلبا كل الموازين عندي، صحيح أن ما كان ينادي به ستيفن كوفي طوال حياته هو ضرورة الرجوع إلى الأمور المعنوية كالقرب من الله والاسس الأخلاقية المتينة والمبادئ والقيم التي لا تكتمل الحياة إلا بها، إلا أن ما أثّر فيّ أكثر من أي شيء آخر هو تمرين الجنازة الذي طبقته ضمن مجموعة أخرى من التطبيقات الواردة في الكتاب، ولعل الكثيرين منكم مر بهذا التمرين في كثير من كتب تطوير الذات والمحاضرات، لكني شخصيا تعرفت عليه من خلال كتاب ستيفن كوفي، أدركت وأنا أنهي التمرين ان سعادتي ليست في المنصب والثراء المادي حتما، وانني لا أريد أن يذكر المعزون عند وفاتي مسماي الوظيفي وثروتي المادية، لكن أردت أن اسمع الناس تتحدث عن سيرتي العطرة وعن سمو أخلاقي وما تركته من اثر يذكر من بعدي، لهذا قمت بعمل التمرين الآخر الذي غير مسار حياتي بشكل جذري وكان وراء هذا النشاط الكتابي والمحاضرات التي أقوم بها في السنوات الأخيرة، وهو مبدأ الرؤية والرسالة التي شدد عليها كثيرا كوفي في كتابه وجعلها البداية والاساس للحياة الكريمة الناجحة والسعادة الحقيقية، وقد فسر لي هذا التمرين السبب الذي كنت غير قادرة على الاستمرار في أي خطة أبدأُها، وسبب عدم سعادتي بالأحلام التي سعيت لها عندما تحققت، في هذا التمرين ينصح ستيفن كوفي القارئ أن يبدأ بصياغة رؤية لحياته كيف يريدها ان تكون، سواء كانت حياته الأولى أو الاخرة، ويضع لنفسه رسالة مستمدة من هذه الرؤية ثم يخطط كل حياته حول هذه الرؤية والرسالة، وكان مفهوما قلب الموازين عندي فعلا، وساعدني على التعرف على ذاتي بشكل لم أحلم به على الاطلاق، وترتيب أولوياتي تبعا لهذا الاكتشاف، لذا اشعر أنني مدينة لستيفن كوفي بالكثير فعلا، فله ولكتاباته يرجع الفضل في حالة الرضا والسعادة التي أعيشها اليوم! مات كوفي لكنه سيعيش عقودا طويلة بفضل ما ترك من انتاج فكري ساهم في تغيير حياة الملايين من البشر والمؤسسات حول العالم، إذ أن كتابه هذا فقط بيع منه ما يزيد عن 25 مليون نسخة حول العالم، وترجم إلى عدة لغات، ويعتبر الكتاب الاكثر تأثيرا في مجال الادارة والأعمال، ومات كوفي كما رسم لنفسه محاطا بزوجته وأولاده وأحفاده وهو بكامل صحته ولياقته وبعد ان حقق الرؤية التي رسمها لنفسه والتي ألهمت الملايين من البشر

هناك 6 تعليقات:

faroukfahmy يقول...

سيدتى وسيدة السيدات حمدة الشامبة
فعلا وصدقا ان الكتاب من اهم واقرب الاصدقاء فهوالسامر فى الوحدة والآنس فى الغربه والونيس اذا عز القريب والصديق
الراحل كوفى وما قاله عن المال والجاه فى كتابه العادات السبع لهو الواقع فى امره و الكاشف فى ذاته وان السعادة ليست فى المنصب والثراء المادى
معذرة سيدتى حكيت عن كوفى ولم تنتقلى الى الاثين الآخرين من الاصدقاء الراحلين
انتظر البقية فى شغف
الفاروق
الفاروق

Unknown يقول...

الأستاذ الفاضل فاروق
مرحبا بك مرة أخرى في مدونتي المتواضعة هذه، بدأت منذ الاسبوع الماضي استعرضهم، حيث كانت لي وقفة مع سوزان جيفرز و هذا الأسبوع مع كوفي، ولنا لقاء مع عملاق آخر هو زغ زغلر صاحب كتاب أراك في القمة...

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
هناك نظرة عند الكثيرين خصوصا الشباب بأن التنمية الذاتية هي انفع من الدين والعقيدة على اعتبار التنمية توصلك إلى تحقيق احلامك ,ربما صحيح لكن لو دقننا النظر لراينا ان كل ما يدعو إليه كتاب وخبراء التنمية الذاتية موجود في تعاليم الدين ربما هم اخذوها وصاغوها وفق لغة اليوم لكن الجوهر هو ما جاءت به شريعة الله .
للاسف هناك جهل بحقيقة الدين و
دوره في التنمية وإعمار الارض ,ومرد هذا الجهل هو اللغة فهي قاصرة عن إيصال حقيقة الدين بلغة واسلوب اليوم.
حتى يأذن الله بقراءة تجربة اخرى كونوا بخير

Unknown يقول...

هي كذلك أخي علي، ما يسمى اليوم بقانون الجذب هو ما جاءت به الديانات السماوية جميعها، في الاسلام وعد المولى جلت قدرته الصالحين بغستجابة الدعاء متى ما توجهو له سبحانه موقنين بالاجابة، و قال سبحانه و إن شكرتم لأزيدنكم، وهذه لب قانون الجذب كما بات يسمى اليوم، المؤسف اننا في بلاد الاسلام بدأنا في الابتعاد عن الدين في الوقت الذي يعود فيه الغرب بقوة إليه بعد ان اثبتت لهم التجربة أن السعادة مستحيلة بالمال وحده

Jamal AlAbri يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
موضوع جداً رائع .. شخصياً تعرفت على شخصية سيفن كوفي من خلال لقاء مع الدكتور طارق السويدان في احد برامج الاذاعة الكويتية .. فكان يثني عليه حيث تشرف الدكتور طارق بأن كان يوماً ما تلميذا لسيفن كوفي..واعتقد كان ذلك في عام 2000 تقريباً .. وبدأت قرآتي له من خلال كتابة العادات السبع ومن ثم متابعة دوراته حول العالم من خلال الانترنت ..
بالفعل هو من الشخصيات المؤثرة عالميا ليس على مستوى الولايات المتحدة والغرب فقط بينما وصل كل القارات وترجمت مؤلفاته الى لغات عديدة.
ورداً على مداخلة الاخ على موسى ..أقول بان التنمية البشرية لا تنافي الدين ابداً .. ولكنها جاءت بأسلوب آخر عن الذي ينتهجة علماء الدين والذي عادة ما يكون مشبع بالأوامر والإتّباع المحفوف بلغة الانصياع التام والتحذير والتخويف وقصص الامم التي هلكت وغيرها من الاساليب في ايصال المعلومة ... بينما اسلوب مدربي التنمية البشرية تميزّ بالبساطة ومخاطبة العقل من خلال المنطق والتحفيز وبرمجة ذاته ايجابياً ورسم خطط الانسان بإدوات سهلة وعملية تصبح واضحة وجاهزة للتطبيق والعمل للوصول الى الاهداف والرؤى .
ولكن تأكد انه في النهاية تصب في مصب واحد وهو السمو بالانسان ليؤدي رسالته في هذه الحياة الدنيا ليكون خليفة الله في أرضه
دمتم بصفاء وسلام

Unknown يقول...

شكرا اخي جمال على مرورك الرائع من هنا