غيب الموت العام المنصرم أحد أهم شخصيات التنمية البشرية تاثيرا في العالم
و علي شخصيا، من ضمنهم سوزان جيفرز صاحبة الكتاب الأشهر في مجال التخلص من الخوف، (استشعر
الخوف و تصرف رغما عنه) الذي صدر في عام 1989م و بيعت منه اكثر من 15 مليون نسخة
حينها في أكثر من مائة دولة، قبل ان أتعرف على أعمال الدكتورة جيفرز كنت شخصيا عشا
لعدد لا باس بها من المخاوف، التي كانت تسيطر على حياتي، ادركت اليوم بعد تحرري
منها كيف أنها كانت تافهه ولا تستحق هذا العناء، ولم تكن قرائتي لهذا الكتاب هي
محاولتي الأولى لمواجهة تلك المخاوف و التحرر منها في الواقع، لكن لسبب أجهله فإن
هذا الكتاب استطاع ان يقنعني كما لم يستطع كتاب آخر سبق لي قراءته، سوزان جيفرز
كانت بسيطة و مباشرة في مخاطبتها لي، لم تعط وعودا كغيرها بان تخلصني من مخاوفي في
زمن قياسي، على العكس تماما، فهي علمتني أن اتصالح مع هذه المخاوف، و صدمتني
بالحقيقية المؤلمة أنه ما من طريقة يمكن بها التخلص من المخاوف، لأنها سترافقني ما
حييت، فهي فطرة جبلنا عليها كبشر، وضعها رب العباد فينا إشعارخطر لحمايتنا من
الأخطار المحدقة بنا، لذا فإن التخلص منها ضربا من المستحيل، لكنها علمتني كيف
اتصالح مع هذه المخاوف وأفهمها و استغلها لصالحي، و كيف اتصرف رغما عنها، ذلك أن
الطريقة الوحيدة التي يمكن التخلص فيها من الخوف هو في مواجهته، و التصرف رغما
عنه، حينها فقط سيدرك المرء أن ما كان يخافه لم يقتله، و أن لم يكن هناك من داع
للخوف من أساسه، مستدلة بمقولة لاليانور روزفلت زوجة الرئيس الأمريكي التي دخلت
البيت البيض سيدة ساذجة بسيطة تعاني من الخجل الشديد و توقع لها الجميع فشلا ذريعا
كسيدة أمريكا الأولى، لكن اليانور نجحت في أن تصبح أشهر سيدة اولى دخلت البيت لأبيض
في تاريخه، و عندما سالها أحد الصحفيين يوما عن سر ذلك التحول في شخصيتها قالت
كلمتها الشهيرة التي الهمت بها الملايين وما زالت (إنني قررت أن أقوم كل يوم بعمل
واحد يرعبني حد الموت)، ذلك ان الخوف ما هو الا توقعات لما يمكن ان يحدث في
المستقبل نصورها لأنفسنا، وغالبا لا يكون لها اي اساس بدليل ان مسببات الخوف ليست
واحدة عند كل البشر، فهناك من يخاف الحيوانات، و هناك من يموت رعبا من فكرة ركوب
الطيارة، و هناك من يخاف الظلام أو البحر و هلم جرى، وفقا لتجارب سابقة او موقف
حدث له او لغيره بنى على اساسها هذه المخاوف، التي في الغالب لن تحدث ابدا، و
الاديب الأمريكي مارك توين له عبارة جميله في هذا الاطار يقول فيها: عشت حياة
طويلة حافلة بالمصاعب اغلبها لم يحدث فعلا، اسلوب جيفرز شيقا للغاية و بسيطا، تقدم
فيه امثلة من حياتها الخاصة مما يجعلها اقرب للقلب و اكثر اقناعا، خاصة رحلتها مع
السرطان و خوفها من مواجهة الجمهور، فهي و على الرغم من أنها امتهنت علاج الناس من
الخوف لكنها تعترف وهي التي حققت كتبها مبيعات قياسية، و تجول العالم تحاضر امام
الاف المشاركين، مازالت تشعر بالخوف كلما همت بكتابة كتاب جديد او القاء محاضرة،
لكنها تعلمت ان تتصرف رغما عن الشعور المسبق بالخوف الذي يلازمها قبل صعود المسرح،
بالتالي يستجيب عقلها اللاواعي لهذا و يختفي الخوف ما ان تبدا في القاء محاضرتها،
مما تنصح به جيفرز ايضا في هذا الكتاب ان تتعرف على مصدر خوفك، و تزود نفسك
بالمعلومات الكافية عنه، ذلك ان (العلم نور و الجهل ظلام) و الظلام حتما يكون
مخيفا، لأنه يرمز للمجهول، حيث يصعب على المرء في الظلام ان يميز الخطر المحدق به
ليتجنبه، و لعل اقوى العبارات التي اثرت في عبارة ان 90% مما نخشاه لا يحدث فعلا،
و هو ما يعني ببساطة ان احتمالية حدوث ما نخشاه لا تتجاوز العشرة في المائة و بتاثير
من تلك العبارة اتخذت قرارا بأن لا اضيع حياتي على احتمالية لا تتعدى 10%، وان علي
ان اتخذ زمام الأمور في حياتي ولا اسمح للخوف ان يسيطر عليها و يسيرها، وكان ذلك
أهم القرارات التي اتخذتها في حياتي كلها، لأنه فتح لي ابوابا كانت مغلقة، و
ساعدني على التعرف على جوانب من شخصيتي لم اكن مدركة لها، و فتح لي مجالات واسعة
من المتعة و الإثارة ما كان ممكنا ان اعيشها مع بقائي اسيرة للخوف، ولهذا أتخذت
قرارا بأن اساعد من حولي في مواجهة مخاوفهم من خلال القاء المحاضرات في هذا المجال
او الكتابة فيه، لأني اكتشفت ان الحياة جميلة جدا بدون هذه المخاوف، و كما سوزان
جيفرز لا استطيع ان أقول بانني تخلصت من جميع مخاوفي، لكنني حتما تعلمت ان اتعايش
معها و اتصرف رغما عنها، تعلمت ان اقدر هذه المخاوف كما اقدر كل المشاعر الأخرى
التي وضعها رب العالمين لحمايتي، تعلمت ان لا باس من الخوف دون تفريط!
هناك تعليق واحد:
سلام عليكم..
طرح موفق ، الجهل بحقيقة المخاوف هو نتيجة تربية وبيئة للاسف ، تعزز هذه المخاوف دون تبديدها .
فأول خطوة الخروج من قيد التربية والبيئة المعشعشة فيها المخاوف ، هذه بحد ذاتها خطوة تحتاج للشجاعة والوعي.
عندها تأتي للمخاوف وتتصالح معها لتهزمها..
لا يسع القارئ القول بعد ما تفضلتم به وانتم اهل اختصاص إلا شكركم على جميل الطرح وعظيم الفائدة..
حتى يأذن الله بقراءة اخرى نافعة كونوا بخير شجاعة
إرسال تعليق