06‏/05‏/2012

لا لم ينته زمن البطولات


Sun, 06 مايو 2012
حمدة بنت سعيد الشامسية :
توفي والدها وهي في الصف الثاني الإعدادي تاركا سبعة من الأبناء الذكور أصغرهم في الثانية من عمره، وكانت هي أكبرهم، وأم لم تحظ بنصيب من التعليم وبدون أي خبرة حياتية سوى إدارة شؤون منزلها وتربية صغارها، لم تعرف عن الحياة خارج المنزل كثيرا بسبب تفانيها في خدمة عائلتها ولكون الزوج كان رب عائلة متفانيا، في قمة حزنها على والدها أثناء العزاء كانت أذن الصغيرة تلتقط كلمات الشفقة ممن حولها على ما سيؤول إليه حالها وإخوتها في رعاية أم خيل لهم أنها اضعف من أن تدير حياة سبعة أبناء ذكور في هذا الزمن المليء بالتحديات، عندما انفض المعزون، أمسكت الصغيرة بيد والدتها وجمعت إخوتها حولها وقالت لهم: حان وقت العمل أيها الأعزاء، كانت تدرك بأن إخوتها اصغر من أن يستوعبوا الدرس في تلك السن المبكرة خاصة الصغار منهم، لكنها كانت على ثقة بأن بذرتهم الطيبة ستكون كفيلة بأن تبني عليها مستقبلا يليق بهم، على مدى سنوات كانت تكرر على مسامعهم: لا تنسوا أبدا أنكم ابناء (فلان) وعليكم أن تكونوا أهلا لأن تحملوا هذا الاسم، كان ذلك اليوم هو آخر عهد تلك الصغيرة بالطفولة، هي التي كانت قبل أيام قليلة (دلوعة) ذلك المنزل وطفلة والدها المدللة، شمرت عن ساعد الجد وبدأت مع والدتها رحلة كفاح طويلة لتحقيق هدف واحد أن يظل اسم والدها مرفوعا، وأن تنشيء إخوتها ليكونوا رجالا تفتخر بهم، وترد بذلك على تلك الأصوات التي ملأت أذنيها طوال فترة العزاء ولسنوات طويلة بعد ذلك، بأن الله حكم على هذه العائلة بالتشتت عندما أخذ منها رب العائلة في تلك الفترة من عمر الصغار، كنت أراها في زياراتي المتقطعة للعائلة بحكم تغربي للدراسة بالخارج ومن ثم زواجي الذي أبعدني عن البلد فترة طويلة، وكنت أشبهها بقطة متوحشة عندما يتعلق الأمر بصغارها، وأنا أراها تقف عند باب المنزل بعد عودتها من المدرسة ولا تدخل إلا وقد ضمنت دخول كل أشقائها قبلها، بعد الغداء الذي تشرف هي عليه يدخل الجميع أمامها في غرفتها التي توصد بابها عليها بالمفتاح حماية لصغارها من قسوة الطقس والأهم من ذلك قسوة ما قد يكون متربصا بهم في الخارج أثناء قيلولتها، استمرت العيون ترقبها بشفقة أحيانا وشماتة في أحيان كثيرة، وهي تتنبأ لها بفشل ذريع في تربية الصغار، فقد كان الشباب ممن حولها يتركون الدراسة واحدا تلو الآخر في المدينة من حولها بشكل عام، والأسرة بشكل خاص، من وصل إلى المرحلة الجامعية يعد على الأصابع، لا يتجاوز عددهم واحدًا أو بالأكثر اثنين في العائلة الواحدة، فيما ينسحب البقية إلى سوق العمل لينخرط في سلك الجيش والشرطة، المجالان الوحيدان المتاحان لغير حملة الشهادات، كانت تضع يدها على قلبها في كل مرة تسمع عن فرد من العائلة ينسحب من المدرسة، وكان هذا يعطيها تصميما بأن تستمر حتى تصل إلى المرحلة الجامعية هي أولا، فقد قررت أن عليها أن تكون قدوة لإخوتها الصغار قبل أن تطالبهم بشيء، ووصلت الجامعة، وحصلت على وظيفة مرموقة، وكذلك جميع إخوتها بدون استثناء، الذين لم يصلوا فقط إلى مراحل دراسية متقدمة ومناصب وظيفية مرموقة فحسب فمنهم الضابط والطيار والمعلم والقيادي، لكنها جعلت منهم رجالا تشد بهم الظهر، مواطنين صالحين، وآباء مثاليين، وأزواجا نموذجيين وبشهادة كل من عرفهم، جميعهم بلا استثناء، وبرغم أنف الجميع، وبمساندة والدتها (الطيبة المسالمة) فقط والتي أثبتت هي الأخرى خطأ الاعتقاد بأن الطيبة ضعفا، بل هي القوة ذاتها، تلك الطيبة وذلك الحنان وذلك الحب الاستثنائي ما جعل رحلة الكفاح تلك تأتي بثمارها على هذا النحو، حينها فقط استجابت لنداء الطبيعة وتزوجت بعد أن أوصلت أشقاءها إلى بر الأمان، وحيدة بلا سند سوى ذكرى رجل عظيم زرع فيها عزة نفس وكبرياء لا يقهران، وترك لها اسما وضعته تاجا على رأسها، وسعت إلى إبقائه لامعا ونقيا ما تبقى لها من حياة، اليوم وابنتها على مشارف الجامعة، تستعد للتقاعد وأخذ استراحة محارب تستحقها بجدارة، تلك المرأة العظيمة أيها الرجال ليست سوى (أختي الصغيرة)، التي ضربت أروع الأمثلة في التضحية والكفاح والالتزام في زمن فقد فيه الكثيرون الثقة في هذا الجيل، وراهنوا على عجزه عن إنتاج أبطال حقيقين، ذلك أننا نتصور ان الأبطال هم أبطال المعارك الحربية، إلا أن هناك أبطالا من نوع مختلف تماما، يستحقون فعلا أوسمة بطولة، فبارك الله في كل أم أو أخت تعمل بصمت في أي بقعة من الأرض لتنشيء مواطنين صالحين، وأبطالا حقيقيين... وتحية (يا أم محمد) التي تنحني أمامك قامتي إجلالا واحتراما

هناك تعليقان (2):

Übersiedlung يقول...

Thanks :)

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
قصة أم محمد، دليل اخر على ان العمل بإصرار وبشكل صحيح قطعاً موصلك للهدف.
اللافت ان المجتمع في مثل هذه الحالات هو من يثبط من العزائم برسمه صورة مأساوية قاتمة لمسار حياة، من ينوون النهوض بعد الكبوة ، ثقافة للاسف مساعدة فقط على نشر الجريمة والامراض النفسية والتخلف.
فكم من تائب عزم على التوبة لكن المجتمع لم يتقبل توبته ، وكم من مطلقة وصمت بالعار فقط لانها طلقت !..والكثير الكثير من الامثلة كان المجتمع هو الشريك الاول في المأساة .
لكن بوجود أبطال صنعتهم الارادة و العزيمة امثال أم محمد تكون للحياة طعم اخر..
حتى يإذن الله بقراءة اخرى نافعة جامعة كونوا للخير دعاة..