النظرة الدونية للأثرياء و التي تبدو واضحة من خلال الأحاديث اليومية و خاصة في المنتديات تتطلب وقفة برأيي، فالغني في نظر البعض لص جشع دائما، و سيجزم لك البعض بأنه لايوجد غني على وجه الأرض حصل على ثروته بالحلال، إلا من رحم ربي، بل أن من النادر جدا أن تسمع كلمة غني أو ثري لوصف الأثرياء بل يوصفوا دائما (بالهوامير)، في الوقت الذي يكون الثراء الحلم الأول الذي يراود الجميع، و تجد البعض يقتطع من قوت يومه ليدخر مبلغا في حساب التوفير عل و عسى يحالفه الحظ و يفوز بإحدى الجوائز التي تقدمها البنوك الوطنية هذه الأيام، كإحدى الوسائل لإستقطاب أموال الأفراد و حثهم على الإدخار، أو تجده يغامر بكل مدخراته و قد يقترض من البنك ليضع كل أمواله في محفظه إستثمارية دون أن يتحقق من شرعيتها، أو أن يشتري أسهما يضارب بها في السوق دون أن تكون لديه دراية كافية بفن الاستثمار، كل ذلك و هو يدعي إحتقار المال و الثراء.
قال لي أحدهم يوما بأنه يتمنى زوال كل الأغنياء من على وجه الأرض لأنهم سبب خراب العالم كونهم (مكوشين) على رزق الفقراء، مع العلم بأن العاقل يعرف أن الوضع عكس ذلك تماما، فالغني بماله يوجد المشاريع و المؤسسات التي تستوعب الكوادر البشرية للعمل فيها و هم بذلك مصدر رزق لبقية فئات المجتمع، الأغنياء أيضا هم مصدر الرفاهية التي نستمتع بها كأفراد عاديين، فهم من فتح لنا المطاعم الراقية التي نستمتع فيها بأطباق متعددة، و الأغنياء هم من يصنعون لنا الملابس، و يجلبونها لنا من شتى أنحاء العالم، و الأغنياء هم من ينشئون المدارس الخاصة التي يتلقى فيها أبنائنا التعليم الجيد، و هم من ينشئون المستشفيات التي نتعالج فيها، وهم من يصنعون لنا الهواتف، وأجهزة التلفاز، و السيارات .....الخ بل أن كل التطور العمراني والفكري الذي نعيشه يقف ورائه أغنياء ملكوا الطموح و الاصرار على العمل و المثابرة.
كاثرين بوندلر صاحبة سلسلة كتب مليونيرات الإنجيل، ناقشت هذه القضية من خلال إستعراضها لحياة الأنبياء، الذين كانوا في الغالب أغنى أغنياء البلاد، فسيدنا يوسف كان يشرف على خزائن مصر، وكان فاحش الثراء، وسيدنا داوود و كذا سليمان و عيسى...و قد كان المصطفى صلوات الله وسلامه عليه و الخلفاء من بعده يحثون الصحابة على العمل و تنمية ثرواتهم، وكانت هذه الثروات هي التي تسلح بها الجيوش الاسلامية و قت الحاجة، كما كانت أموال الأثرياء تمول بيت مال المسلمين الذي كان يستخدم لتمويل المشاريع و إعانة الفقراء، لذا كلما زاد عدد الأغنياء و كبرت ثرواتهم كلما كان ذلك سببا في إمتلاء بيت المال، و الوضع لا يختلف في عصرنا الحالي كثيرا فالأثرياء يدفعون الضرائب و الزكاة التي تمول بها المشاريع التنموية.
أعتقد شخصيا بأن العالم سيكون كئيبا بدون أفراد يملكون الطموح، و يبدعون في شتى مجالات الحياة، فالغنى نعمة من رب العباد، و لأغنياء يجب أن يشكلوا قدوة، في العمل و المثابرة و الطموح، لأن المال لا يأتي إلا من خلال هذه العناصر جميعا، وهم لهذه الأسباب يجب أن يكونوا برأي مصدر للإحترام والاجلال.
إن الدعوة بالغاء الغنى في العالم تعني دعوة لإلغاء العمل و المثابرة والطموح و الرفاهية للجنس البشري، و عوضا عن ذلك نحن بحاجة إلى دعم سياسات تؤدي إلى الثراء المادي للأفراد و الدول على حد سواء، مثل بيئة مشجعة على الإدخار بالدرجة الأولى و الاستثمار لكل فئات المجتمع، الأمر الذي بلا شك سيعزز من رفاهية الشعوب، و يساهم في تنمية المجتمعات، و رفع مستوى الخدمات المقدمة للأفراد، فبدون المال لا يمكن أن تستقيم الحياة، ذلك أننا نعيش في عصر بات حتى الحصول على هواء نقي يتطلب المال و كذا الماء و المأوى و الطعام، الذي كانت الأجيال التي سبقتنا تحصل عليه بدون مقابل، حيث الانسان يمكن له أن يبني مسكنه في أي بقعة من الأرض يختارها، و حيث الهواء نقيا و الماء متوفرا بكثرة، و بات نجاح الفرد يقاس بمدى ما يملك من مال، ومقدار دخله الشهري، تماما كما يقاس نجاح المؤسسات بمقدار أرباحها السنوية، إن ثراء البعض لا ينتقص من رزق الآخرين، فعطاء المولى لا حدود له، و العالم يتسع للجميع، و ثروات الكون كلها متاحه للجميع ليغترف منها من ملك الإبداع و الطموح و الرغبة في العطاء، إذ ليس على المرء أن يغتني على حساب الآخرين، بل بهم و معهم، و في عصرنا الحالي أصبح هذا متاحا أكثر من أي وقت مضى، و أصبح جني المال و تكوين الثروات متاحا بشكل لم يسبق له مثيل، ولم يعد ذلك مرتبطا بمجال محدد، أو مهنة معينة، بل تجد رجال و نساء حققوا ثروات في شتى المجالات، فهناك مليارات في مجال الإعلام، و الفن، و الرياضة، و السياحة، و الصناعة، و التعليم....الخ.
هناك 4 تعليقات:
السلام عليكم ..
أولاً الغنى غنى النفس .. وليس المال.
ثانياً هؤلاء الأغنياء قد يكون أغنياء في الدنيا .. ولكن في الآخرة قد تقلب الموازين .. لذا أحمد الله أني من الفقراء فقر مدقع والحمد الله ليس فقر في الفكر أو في النفس.. تحياتي لك
دندنة قيثارة الوجد، الله يعطيك على قد نيتك، لكن هل يمنع أن نكون أغنياء النفس و المال معا؟ و هل وجود الأول يغني عن الثاني حقا.....
السلام عليكم
يعطيك الف عافية اختي..
موضوع متوازن في عرضة وفكرتة..
اتفق مع الكثير مما احتوى..
واحب ان عالق على كثرة كرة الاغنياء
فمن الطببعي ان الاغنياء اقلية في الهرم الاجتماعي ..والطبقى الوسطى او الفقيرة هم الاغلبية ( والله الاحصاءات ليست لدي حالياً بل في المنزل ).. لذا اعتقد من الطبيعي ان يتم التعرض لهم بصورة او بأخر بشكل غير ايجابي ان لم يكن سلبي بالمطلق ..
واعتقد .. ان لدينا ثراء استهلاكي وليس منتج .. فالأغنياء- الغالبية - في بلدنا لايقومون بأي نشاط انتاجي ..
بل فقط عملية تحويل مافي جيوب الشعب لأرصدتهم , مروراً بدائة الدولة التي اصبحت شريكاً تجارياً للأسف..!!
وللأسف ( أقول هذا من واقع علم ) أن الكثيرم منهم لايدفع لا زكاة ولا ضرائب
فأغلب المشاريع التي يكون مساهميها احد الأطراف المسؤولة تعفى من الرسوم ووو لمدد طويلة..!!
أصلح الله الأحوال..
حقيقة سعدت بزيارتي للمدونة الرائعة
والأفكار العميقة المطروحة هنا..
دمتي بخير وصحة وعافية
عناي العيون، شكرا لمشاركتك، شخصيا لا أحبذ التعميم، هناك قاعدة عامة و دائما ناك شواذ عن القاعدة، مشكلتي أنني متفائلة و أحسن الظن بالناس دائما، لدي إيمان عميق بأن الناس طيبة و خيره في الأصل، و المال لا يفسد إلا النفوس الضعيفة التي لديها إستعداد للفساد..شاكرة مرورك الكريم
إرسال تعليق