15‏/11‏/2009

لقد أعادت طفلتي تربيتي من جديد


أقول دائما لمن حولي بأن ابنتي أعادت تربيتي من جديد، و هذا كلام لا مبالغة فيه، فقد تغيرت تغيرا جذريا بعد ولادة طفلتي، فكأي أم كنت حريصة كل الحرص أن أربي ابنتي تربية صالحة، و ازرع فيها الوازع الديني، و الخلق القويم، و في ذات الوقت أجعل منها فتاة عصرية، واثقة من نفسها، مطلعة و موهوبة، و ذات شخصية قوية مستقلة، أردتها أن تحظى بحب الناس و إحترامهم أينما كانت، و أن تكون أنيقة معتدة بنفسها، أردتها أن تحصل على كل ما لم أحصل عليه في حياتيـ، وأن تحقق ما عجزت عن تحقيقيه، أردت أن تأخذ كل إيجابياتي و تترك كل سلبياتي، و بذلت في سبيل ذلك مجهودا جبارا، اتبعت خلاله شتى أنواع أساليب التربية التي أعرفها والتي لم عرفها، لكنني كنت ألاحظ أن كل نصائحي، و كل أساليبي تذهب أدراج الرياح، و شيئا فشيئا بدأت الاحظ نفسي في تصرفاتها، و والدها في بعض حركاتها، لاحظت أنها و في سن صغيرة جدا تتطبع بأطباعنا، و تتصرف بطريقتنا، أفزعني هذا الأمر كثيرا، و حينها فقط أدركت بأنه علي ان أكون قدوة صالحة لإبنتي، و أنه لا جدوى من زرع قيم فيها أتصرف أنا ضدها، ولا جدوى من نصحها بنبذ سلوكيات خاطئة إن كنت أنا البالغة غير قادرة على التخلص من هذه السلوكيات، وهكذا كان علي أن أعيد تربية نفسي من جديد لأجل عيون طفلتي..

عملت جرد لكل السلوكيات الخاطئة التي أمارسها، وضعت خطة للتخلص منها شيئا فشيئا، نظفت خزانة المطبخ و الثلاجة من كل المأكولات التي لا أريد لإبنتي أن تأكلها، و غيرت قائمة مشترياتي، و طريقة إعدادي للطعام، غيرت نظام البيت الغذائي بالكامل، و هجرت الكاكولا إلى الأبد..
فعندما كانت طفلتي تبلغ الرابعة من العمر أخذتها لتناول العشاء في إحدى مطاعم الوجبات السريعة برفقة بعض نساء العائلة و اطفالهن، أثناء العشاء كنت مندمجة في الحديث مع رفيقاتي فلم أنتبه إلا و يدا بالغة الصغر تلمس يدي برقة، التفت فإذا بصغيرتي تحاول لفت إنتباهي لشيء ما، رفعت عيني فوجدت أنها ثبتت عيناها على قدح الكاكولا المثلجة في يدي، و تسمرت نظراتها على الشفاطة التي كنت أسحب بها المشروب الغازي بتلذذ، و بادرتني قائلة: ماما الكولا مضرة للأطفال أمثالي لكن ليس للكبار أليس كذلك؟
لا أدري كيف أصف لكم شعوري في تلك اللحظة، لكنني شعرت بألم حاد يعتصر قلبي، و شعورا جارفا بالخجل من طفلتي التي حرمت عليها شرب المياه الغازية و المشروبات الصناعية بانواعها، في الوقت الذي اشربها أمامها، ناولتها القدح الذي كان في يدي لتأخذ منه رشفة عن خاطرها، قائلة: لا يا حبيبتي هذا المشروب ضار جدا بالصغار والكبار على حد سواء لذا قررت ماما الا تشربه بعد ذلك، ومن يومها قررت أن أتخلص من إدماني على الكولا و إلى الأبد...
نبذت أيضا كلمة لا أستطيع من قاموسي قدر المستطاع، و غيرت اسلوب أدائي لعملي، حتى الأناقة التي كنت أقنع نفسي بأنها مهارة تولد مع الشخص ولا يمكن تعلمها، حاولت أنا أن أتعلمها من أجل عيون صغيرتي، بدأت لأول مرة ألاحظ ما تلبسه النساء من حولي، كنت اتفحص المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها، دارسة كل تفاصيل أناقتها، حتى المرأة غير الأنيقة كنت اتفحصها جيدا لأرى ما الذي ينقصها، و أحاول جاهدة تجنب أخطائنها، بدأت أرتاد المحلات الراقية، و أدخل مواقع نسائية تعني بالأناقة، و عندما كبرت طفلتي بدأت استشيرها في كل ما ألبس و كل ما شتري..
من هذا تعلمت أن الدافع أقوى الوسائل لتحقيق الهدف، و بدأت عندما اصيغ هدفي أضع دوافع هذا الهدف و مالذي سأجنيه من راءه..

هناك تعليقان (2):

أندلس يقول...

جميل جدا كلامك :)

ما أجمل أن نتغير لأجل أن نكون قدوة لأحبائنا.
اثرتِ بي بكلماتك ووصفك

دمتِ دائما اما رائعة.

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
ميدانكم انفسكم ، من كان على نفسه قادر فعلى غيره اقدر...كما ورد بالمعنى طبعاً.
هذا ما يجب عليه ان يكون الانسان في اي موقع كان صادقاً ومراقبا دقيقاً لكل احواله، شأنه شأن الصائم المسمك عن كل قبح ومتحلياً بكل فضلية وحسن ساعياً اليها ما وسعة الحال ، ليس فقط حال الصوم ولا في جو الاقربين نكون فضلاء ،الواجب فينا التربية الحسنة والفضل والفضيلة والقدوة الحسنة في كل آن وأوآن.
حتى يأذن الله بوقفة وعي وتربية وقدوة كونوا قريري العين بأبنائكم وانجازتكم..موفقين