20‏/10‏/2009

الموت أصعب موقف قد يمر بك لكن……



هذه المرة الأولى التي أتحدث في هذا الموضوع لإنسان، لكن وجدت بأنني حتى استطيع شفاء روحي لا بد من فتح هذا الجرح الذي مضى عليه 11 سنة اليوم، ألا وهو وفاة والدي، فقد كسرتني وفاته، و قتلتني حية، و حطمت كل أحلامي الجميلة التي كنت على وشك تحقيقها، حدثت وفاته فجأة، بدون مقدمات، بدون تهيئة لي ولا لإخوتي، مات شابا في بداية الخمسينات من عمره، في فترة كنا بأمس الحاجة له فيها، رغم أنه ظن بأننا كبرنا ولم نعد نحتاجه،



 مات و أنا في قمة نجاحي، المهني، و الشخصي، فقد تم ترقيتي للتو في وظيفة مديرة دائرة، بعد سنة واحدة من تعييني في المؤسسة، و أنجبت قرة عيني وعينه التي ملأت حياة الأسرة كلها سعادة بقدومها، و تزوجت رجلا شهما و حنونا وناجحا مهنيا وماديا، و انتقلت إلى بيتي الذي اشتريته بعد ولادة طفلتي بسنة، كان كل شيء حولي رائعا، وجميلا، لهذا قررت أن أكافئ نفسي برحلة إلى سنغافورة التي أحب، كنت أعرف بأنه يمر بوعكة صحية، لكنني لم أقبل مجرد فكرة أنه يمكن أن يموت، لأنه أبي الوسيم، الشاعر الرقيق، لا يمكن أن يموت الآن، انها مجرد وعكة صحية سيفيق منها مثل كل مرة أكثر مرحا وحبا و قوة..
لم أتقبل موته الذي حطم كل شيء في حياتي، لم يسد فراغه لا أم ولا زوج لا بنت ولا أخ، كان الوحيد القادر على جعلي أشعر بأنني ملكة متوجة، و بأنني أجمل النساء، و بأنني عن ألف رجل.
حارب الدنيا كلها من أجل أن أحظى بشهادة جامعية، و كان مقتنعا بأنني سأصبح يوما ما سيدة ناجحة جدا و يفاخر بي بين الجميع.
دخلت في حالة اكتئاب حادة، أجدت إخفاؤها عن أقرب الناس لي، لأنه علمني بأن لا أظهر ضعفي لأحد، و أن الكتمان صفة الشجعان، و أنني إن لم أكن أمينه على أسراري فليس من حقي لوم الآخرين إن أفشوها، دخلت في مرحلة من اللامبالاة أهملت نفسي و صحتي و بيتي و اهلي وحتى عملي، أصبحت غريبة عن إخوتي و أسرتي، أكون معهم وأنا لست معهم، أصبحت كئيبة إلى أبعد الحدود، و بدأت أهمل عملي و أؤديه و كأنني مجبرة، اختفت ابتسامتي التي كان يفاخر بها، و ضحكتي التي قال لزوجي بأنها أجمل ما فيني عندما جاء لخطبتي، اختفت براءتي و كل شيء جميل في.
أربع سنوات مرت و أنا على هذه الحالة، حتى استيقظت فجأة، شعرت كمن صفعني على وجهي و ايقظني من غيبوبتي الطويلة، كنت أقف أمام المرآه، فالتقت عيني مع عين صورتي فيها، فوجدت امرأة ضخمة، بثياب خالية من الأناقة، أدركت في تلك اللحظة بأنني أقترب من الأربعين من عمري، فنظرت إلى حياتي، فوجدت أنني دمرتها، تذكرت والدي حينها و الأحلام التي رسمها لي، فجلست أبكي على سريري أسترجع شريط حياتي، فوجدت بأنني بعدت كثيرا عن أهلي، و بدأت علاقتي بزوجي ينخر فيها البرود، إخوتي كبروا ولم أعش هذه المرحلة معهم فأصبحوا غرباء عني، زملائي الذين وظفتهم و دربتهم أصبحوا في نفس المستوى الوظيفي، و حصل الكثيرون منهم على شهادات عليا، و أنا مكانك سر..
هل جربتم هذه الأحاسيس، هل جربتم أن تستيقظوا يوما و تجدون أنفسكم غريبين عنها، في جسد ليس بجسدكم، و حياة ليست بحياتكم؟ هكذا شعرت تماما في تلك اللحظة، حاولت تذكر والدي طوال اليوم، و أطلب الغوث منه، فقد عودني منذ وفاته، أن يأتي إلي كلما طلبته، جاءني ليلتها لكنه كان غاضبا ورفض حتى أن ينظر إلي..
حينها فقط قررت أن أستعيد حياتي، و أبدأ من جديد، و هكذا كان.................

هناك 7 تعليقات:

umameera يقول...

كم هو صعب فقد انسان عزيز و قريب من القلب ،، لقد دمعت عيناي و أنا أقرء المقاله .. دائما أراك انسانه قويه و أعتبرك قدوة لي و الأن تأكدت أنني لم أكن مخطئه. رغم الألم و المعاناة و لكنك لم تحسسسي أحد و كنت شمعه مضيئه لمن حولك ،، في الغربه كنت أستمد القوة منك و أنت ربما كنت في أضعف حالتك و لكننا لم نعلم أبدا .. كم أنت رائعه

Unknown يقول...

هذا يعني بأنني كنت بارعة جدا في إخفاء حزني

Kacem El Ghazzali يقول...

مرحبا
شيئ طبيعي فالموت هو عدم قابلية الجسد للحياة
تحياتي
http://bahmut.blogspot.com

أبو عبد الله يقول...

كنت بعيدا حينها...
فقط أتابع برجاء أن ينعم رب العالمين على ابني بالشفاء...
لكن صباح ذلك اليوم جائني والدي ليخبرني بان فلذة كبدي قد اختاره أرحم الراحمين ...
صدمت وبدون شعور سألت لماذا وكيف أنا أنتظر أن يشفى ليس أن يموت !!!
ثم بقيت في صمت لأيام متوالية ، فجأة تذكرت أن هناك إمرأة اعتصرها الألم وقطع فؤادها.
كل هذا وعيني لم تدمع حتى ظننت أني قاسي القلب عديم الإحساس.
بعد خمسة أشهر وفي ذكرى ولادته كنت في انتظار أن أحتفل بعامه الأول على طريقتي جاءت ذكراه لتثير حزنا خبأته وسالت دموع توارت خلف الأعين الحزينه لتنطق بالألم الذي حاولت دفنه لكي لا يراه أحد.

أعتقد أني قد أطلت ، المعذرة

أبو عبد الله

Unknown يقول...

أبو عبدالله: يبقى الموت هو اللغز الأكبر في حياتنا، مهما بلغت درجة تعليمنا ووعينا لن نستطيع إستيعابه

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
رحم الله صاحب الذكرى، رحياً به الفخر بك..
الوالد كان عقلك بدليل غيابه بمجرد فقده وتغير الحال ، فقد فقدتي بفقده نبراس الحياة والنور الساطع الدال على الامل والخير.
هل هو الحب من غيب هذا العقل ( عقلك انتِ )
لو قدر لك اليوم الحديث عن تلك التجربة ما عساكِ تقولي وانت من خرجتِ من ظلمات الوهم والكآبة إلى نور الحياة والامل ... ؟
حتى يأذن الله بتعلم درس من دروس النهضة والثبات كونوا بذكر الاحباب سعداء

Unknown يقول...

الله يرحم أمواتنا و أموات المسلمين أخي علي، اليوم اشعر بأن الوالد حيا بما ترك لنا من أثر طيب، و ذكرى عطرة