26‏/04‏/2015

كيف أحصل على ما أريد؟

منذ سنوات كنت أقدم محاضرة في جامعة السلطان قابوس تعودت أن القيها بشكل سنوي للطلبة حول إدارة الذات، عندما اقتربت مني إحدى الطالبات قائلة: أنا أعرف كل ماذكرت وأتبع الخطوات التي ذكرت في رسم أهداف لنفسي، لكن المشكلة ليست في انني لا أعرف كيف أرسم أهدافي وإنما كيف أحققها، ما قالته تلك الصغيرة عانيت منه شخصيا فترة طويلة، وربما الكثيرون منكم وأنتم تقرأون هذه السطور تشعرون وكأن تلك العبارة صدرت عنكم، وضع الأهداف يدرس كثيرا في أغلب كتب الادارة، وفي المؤسسات التي يقوم نظام إدارة الأداء فيها على الأهداف، ورغم ذلك يشعر البعض بأن مجرد تحديد الهدف أحيانا يصبح صعبا للغاية، كثيرون لايعرفون ما يريدون من الحياة، و كثيرون يرسمون أهدافا ليكتشفو بعد أن يصلوا لها بأنها لم تحقق لهم الرضا الذي يطمحون إليه، ذلك أننا في الغالب لا نرسم أهدافنا الشخصية النابعة من احتياجاتنا الحقيقية، بقدر ماننسخ أهداف الآخرين، في محاولة لتقليدهم أحيانا، نضع نصب أعيينا منصبا مرموقا كهدف نسعى إليه و نضع كل وقتنا وجهدنا فيه، لا لشيء سوى لأن النجاح أصبح اليوم يحدد بالمسمى الوظيفي الذي يشغله المرء، ونوع السيارة الفارهة التي يركبها، وعنوان منزله وحجمه، إلا أن هذه أهداف اشخاص آخرين قد لاتكون أنت واحدا منهم، لذا قد تشعر بالفراغ و عدم الرضا عندما تصل إلى قمة هذا النجاح، لأنك ستدرك متأخرا بأن المال ليس سببا للسعادة بقدر ماهو وسيلة راحة، وأنه ثمة فرق كبير بين المتعة المؤقتة التي تتولد بعد وجبة عشاء فاخرة في أرقى مطاعم مسقط، وبين السعادة الحقيقية التي تتولد عن إشباع احتياجاتك الحقيقية، لهذا ربما يستغرب البعض منا من أولئك الذين تخلوا عن كل ثرواتهم و مجدهم من أجل حياة بسيطة، ليحقق الهدف الرضا لك يجب أن يكون هدفك أنت، نابع من داخلك أنت، لذا ربما ستندهش لو عرفت أن تحديد الهدف ذاته مهمة صعبة و طويلة، لأنها ستتطلب منك معرفة ذاتك، وفهم مشاعرك، وتحديد قيمك في الحياة، قبل أن تبدأ في رسم هدفك، لأن الهدف يجب أن يكون نابعا من هذه القيم والمبادئ و تحركه مشاعرك الحقيقية تجاهه، ذلك الشغف الذي هو أشبه بمحرك للهمم والطاقات، حتى إذا ما حققته كان هو وحده كفيل بأن يجعلك تشعر بالرضا عن نفسك، يتوجب أيضا ان يكون لديك يقين تام بقدرتك على تحقيقي هذا الهدف مهما بدأ لمن حولك صعب المنال، هذا اليقين لن يتأتى إلا إذا كنت شغوفا فعلا بما تسعى إليه، مستمتعا بالرحلة التي ستوصلك له، و ستندهش حينها حين تكتشف بأن الله سبحانه وتعالى يسير أمورك بطرق إعجازية، ويهيئ لك الأسباب بشكل سيثير ذهولك، فقد تجد في حوار عابر سمعته بين شخصين ما يدلك على الوسيلة التي توصلك لهدفك، وقد تقرأ جملة عابرة في صحيفة فتحتها صدفة ما تجد فيه حلا لمشكلتك، وقد تستيقظ من نومك فجأة على حلم فيه خطة مفصله تعينك على تحقيق هدفك، فالله سبحانه عند ظن عبده به،ومتى ما تولد لديك اليقين بأنك ستحصل على ماتريد وطلبته صادقا من رب العزة، فلن يقف عائق حينها بينك وبين تحقيق ما تريد، لهذا ينصح الخبراء دائما بكتابة الهدف و إعادة كتابته لأن ذلك يجعله يرسخ في ذهنك و يولد بذلك اليقين لديك، تتضمن عملية تحديد الهدف أن تحدد نقطة البداية، حتى تعرف في أي اتجاه عليك أن تسير، وتأخذ أسهل وأقصر الطرق باتجاه هدفك، وتستطيع قياس المسافة المتبقية لك، ومن المهم أيضا أن تعرف دوافعك لاختيار هذا الهدف بالذات، و الأسباب التي تدفعك للسعي خلفه، فكلما وجد الدافع كلما زادت الرغبة في الحصول عليه، وزاد تبعا لذلك الحماس، أمام كل هذ تضعه حاول دائما أن تضع الفوائد التي ستجنيها من ورائه، وحتى يسهل عليك قياس تقدمك نحو هدفك من الضرورة بمكان أن تضع موعدا محددا للتنفيذ، مع تحديد العقبات التي تحول بينك وبين الهدف، لأن الرحلة لن تكون دائما خالية من العقبات، ولن يكون الطريق ممهدا على الدوام، ستمر ببعض المطبات و ستعترضك بعض الحفر، إذا عرفت كيف تحددها في بداية الرحلة سيسهل عليك التغلب عليها، أغلب هذه الأسباب ستجد أنها نابعة من داخلك، يحددها براين تريسي في كتابه الأهداف بـ80% فيما تشكل الظروف الخارجية 20% فقط من أسباب فشلك في الحصول على ما تريد، وغالبا ما تتمثل هذه الأسباب الداخلية في المشاعر السلبية مثل الخوف من الفشل والنقد، وعدم الثقة بالنفس، إلى جانب حصر العقبات سيتوجب عليك أن تحصر المهارات والمعلومات التي ستحتاجها للوصول إلى هدفك، لأنك لن تستطيع أن تحصل على أكثر مما لديك اليوم إلا أذا أصبحت أثرا مما أنت عليه اليوم من جانب المهارات والمعارف و القدرات الشخصية بشكل عام، حدد أيضا الأشخاص الذي ستحتاجهم في هذه الرحلة لأنك لن تستطيع أن تصنع نجاحك وحيدا، أيا كان هؤلاء الأشخاص، مسؤولا مباشرا، صديقا او زوجة أو قريبا، العلاقات هي الأساس بدونها لن تستطيع إكمال الرحلة، ختاما اتخذ خطوة للأمام لأنه مهما كان الطريق أمامك واضحا ومحددا، ومهما بدأ الهدف أمامك لن تستطيع الوصول إليه وأنت واقف مكانك.

ليست هناك تعليقات: