24‏/02‏/2014

الحوار فن


لا أخفي عليكم سروري الكبير وأنا أفتح الجريدة قبل أسابيع لأتفاجأ بخبر يتصدر الأخبار المحلية حول مسابقة فن الخطابة والتحدث بالفصحى، وهي مبادرة رائعة لوزارة التربية والتعليم التي أجدني هنا مدينة لها باعتذار، فقد تخيلت للحظة أن هذا الأمر غائب عن الوزارة وقد ناديت به في أكثر من مقال على هذه الصفحة، لكن يبدو أن الوزارة لديها بالفعل مبادرة على شكل مسابقة في فن الخطابة والتحدث بالعربية الفصحى، تستهدف طلبة الصفين العاشر والثاني عشر وتهدف إلى الرقي بمستوى التحدث باللغة العربية الفصحى لدى الطالب وتنمية قدراته التعبيرية والتحاورية للتعبير عن أفكاره وآرائه وتطبيق الطالب لقواعد النحو بشكل سليم أثناء الحديث والنقاش وفقا لنص الخبر الذي أثلجت صدري قراءته، فأنا من أشد المؤمنين بأهمية تعزيز هذه المهارة لدى الجيل الحالي، لأنها مهارة العصر بلا منازع، وهي وحدها قادرة أن تخلق فارقا كبيرا جدا في حياة الفرد الشخصية والمهنية وتجعله يرتقي السلم الاجتماعي والمهني بسرعة البرق، تماما كما أوصلت الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان لدفة الحكم في أمريكا، فكثير من السياسيين أجمعوا بأن ريجان لم يكن أذكى المرشحين وأحنكهم سياسيا لكنه حتما كان متحدثا بارعا وأسر قلوب الأمريكيين بخطاباته السياسية الشهيرة، لقد زادت قناعتي الشخصية بأهمية هذه المهارة خلال ما يزيد عن عقدين من العمل في مجال الموارد البشرية، قابلت خلالها آلاف المترشحين لوظائف بمختلف المستويات والتخصصات وكانت هذه المهارة الأوضح في المهارات الشخصية أو التي باتت تعرف بمهارات القرن الواحد والعشرين، فهناك مرشحون لا أشك لحظة بأنهم يمتلكون مهارات فنية عالية جدا، لكن هذه المهارات لم يستطيعوا أن يظهروها أو يقنعوا لجان المقابلات بها، وذلك لغياب أو قلة هذه المهارة لديهم، فضاعت عليهم فرص وظيفية قد يكونون الأجدر بشغلها، وهناك الكثيرون أيضا قد لا يكونون يملكون مهارات فنية بالقدر ذاته، لكنهم يجيدون التسويق لأنفسهم من خلال مهارات اتصال وإقناع عالية جدا، لأنه في النهاية لا ننسى أن أعضاء لجان المقابلات هم بشر عليهم بظاهر الأمور، وربما الحدث الثاني الذي ظهر فيه غياب هذه المهارة كانت أحداث فبراير التي تزامنت مع أحداث الربيع العربي الذي شهدته بعض الدول العربية، فقد كنت أتابع عن كثب الاعتصامات المؤسسية التي قام بها بعض الأفراد سواء في مؤسسات القطاع العام أو مؤسسات القطاع الخاص، أظهرت بشكل واضح بأننا تنقصنا مهارة الحوار ومهارات الاتصال بشكل واضح، وربما كان هذا أحد الأسباب التي شجعتني شخصيا لإدخال برنامج التوستماسترز للخطابة والاتصال الذي تديره مؤسسة توستماستترز الدولية أولا في المؤسسة التي أعمل فيها ضمن برنامج تنمية الموارد البشرية، ومن ثم للنساء بشكل عام، كان آخرها برنامج هي للقيادة والخطابة باللغة العربية للنساء بالتعاون مع المستشارة النفسية والأسرية عايشة النظيرية صاحبة مركز مملكة ود للاستشارات الأسرية، فقد أظهر هذا البرنامج مدى الحاجة لهذه المهارة في فئة لا يظن الكثيرون أنها ممكن أن تحتاجها، ألا وهي المرأة، الأم والزوجة وربة البيت، فكثير من هؤلاء النسوة، انضممن للبرنامج لقناعة تكونت لديهن بأن مهارة الاتصال لا غنى عنها في تأدية أهم واجباتنا كأفراد وهي واجب تربية وتنشئة الأسرة، فكثير من المشكلات التي تواجهنا في إطار الأسرة منشؤها بالدرجة الأولى غياب التواصل الإيجابي الفعّال بين الزوجين أو بين الآباء والأبناء، التي يعجز بسببها الأطراف عن إرسال الرسالة، أو طلب ما يريدون من الطرف الآخر، مما يؤدي إلى نوبات الصراخ والغضب والنزاعات التي تشيع في بعض الأسر، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلات الأسرية التي تنتهي بأبغض الحلال عند الله أحيانا، وتشتت الأبناء، أو تؤدي والعياذ بالله إلى عقوق الوالدين، والتي بدأت بشرارة صغيرة هي سوء التفاهم أو سوء الفهم، كان من الممكن تداركها لو أن الأطراف كانت تجيد فن التواصل الفعّال، وزرعته في أبنائها في سن مبكرة جدا، لتكون هذه المهارة سلاحا يتقنه الابن ويشق به طريقه سواء في حياته الأسرية مستقبلا أو في حياته المهنية، مما يؤهله فيما بعد بالمطالبة بحقوقه، والدفاع عنها متى ما تطلب منه الأمر ذلك، إذ من المحزن أن ترى أحيانا بعض الأشخاص يعجزون حتى عن طلب إجازة اعتيادية من مسؤولهم المباشر، وهذه بالنسبة لي هي أبسط الحقوق الوظيفية، فما بالك بحقوق أكبر وأهم كالترقية على سبيل المثال أو البعثة الدراسية أو الفرصة الوظيفية، وبالنسبة للإناث تعجز البعض منهن عن المطالبة بأبسط حقوقها الزوجية بسبب نقص هذه المهارة التي غالبا ما يقلل من أهميتها البعض، لكنها كما ترى تمس كافة جوانب حياتنا وأكثرها حساسية وخطورة.

ليست هناك تعليقات: