22‏/07‏/2013

قبل الدكتوراة

 

      
 قالت لي بتاثر بأنها تشعر بالاسى الشديد على قريبها الذي تعرض لظلم شديد من الوزارة الذي لم تقدر جهودة و كفاءته المشهود لها، و حرم من (حقه) المشروع في المسمى الوظيفي الذي يستحقه بحكم تأهيله فهو (دكتور)، ومن تم تعيينه بدلا عنه لم يحصل حتى على مؤهل الماجستير، من محاسن الصدف انني أعرف شخصيا هذا الشخص الذي كانت محدثتي تتحدث عنه، والذي أكن له الكثير من الاحترام و التقدير، فهو شخصية على درجة عالية جدا من دماثة الخلق و التهذيب، وراق في التعامل و على درجة عالية جدا من الثقافة، لكن للاسف الشديد كل هذه الصفات لا تؤهل صاحبها لشغل منصب قيادي كالذي كان ينافس عليه، وشهادة الدكتوراة بالذات لا تؤهل المرء وحدها لشغل منصب قيادي، كما يعتقد الغالبية اذ ان الكثيرين ينظرون الى حامل الدكتوراة وكأنه موسوعة متنقلة، وعبقرية فذة، ولديه قدرات خارقة تؤهلة لشغل اي منصب كان، لكن هذا طبعا ليس بالضرورة أن يكون حقيقيا، و بعض المؤسسات التي تعين حملة الدكتوراة بالشهادة وحدها، دون النظر إلى الخبرة العملية و المهارات و الكفاءة المطلوبة لشغل الوظيفة، تكتشف هذه الحقيقة متاخرة، كثيرا ما يفاجئني الكثيرون من المشاركين في حلقات العمل التي أنفذها حول التخطيط الوظيفي حين ياتي الحديث عن الأهداف بأن (الدكتوراة) تأتي على قائمة أهدافهم المهنية، وعندما اسأل عن (الدافع) وراء هذا الهدف، يكون الجواب: أن الدكتوراة تختصر الطريق إلى المنصب القيادي الكبير فلما أقضي شبابي في كد و تعب حين استطيع أن أحصل على دكتوراة في ثلاث سنوات وأضمن بذلك المسمى الوظيفي المرموق، المؤسف ان سياسات بعض المؤسسات تشجع فعلا على ذلك، والنتيجة أن يشغل (مؤهل أكاديمي) منصبا غير مهيأ له من حيث الخبرة والكفاءة و المهارة، وحتى على مستوى المجتمع يحظى من يسبق اسمه حرف د. باحترام و تقدير خاص، والكثيرون في الحقيقة يهدفون من دراسة الدكتوراة إلى هذا التقدير وحده حتى لو كانوا على ثقة بأن الشهادة وحدها لن تضيف لهم شيئا، مما لاشك فيه أن شهادة الدكتوراة هي أعلى مؤهل أكاديمي يمكن أن يحصل عليه الفرد، ذلك أن الحصول عليها يتطلب الكثير من الجهد، والمعرفة ايضا لهذا فإن نسبة قليلة في المجتمع ممن يحمل هذا المؤهل عادة، لكن قرار الحصول على الدكتوراة يعتمد على الهدف من ورائه البعض يريد مهنة الحصول عليها يتطلب شهادة الدكتوراة كالتدريس الجامعي والبحث، لأن الدكتوراة مطلب رئيسي للتدريس في الجامعة حتى بالنسبة للجامعات التي تقبل بتعيين أقل من الدكتوراة متى ما توفرت لدى المرء المعرفة والخبرة، لكن تظل الدكتوراة الشهادة الأهم، كذلك لابد من معرفة ما اذا كنت تمتلك المتطلبات الضرورية لهذه الدراسة و أهم هذه المتطلبات الوقت بالتحديد، فقد طلب نصيحتي شخص قبل سنوات ولكني نصحته بالتريث لأن وقته ومسؤولياته الكبيرة لن تتيح له العمل على الدكتوراة، لكنه مضى في الدراسة و ما توقعته حدث بالفعل فاضطر إلى التوقف في منتصف الطريق، دراسة الدكتوراة أيضا تتطلب كثيرا من الصبر و القراءة المكثفة فإذا كنت من الشخصيات التي لا تطيق البحث والقراءة فإن مسالة نجاحك لن تكون كبيرة، وإذ كنت تدرس على حسابك الخاص فإن المصاريف المادية تلعب دورا في هذا القرارأيضا، فضلا عن السبب الرئيسي الذي يدفعك للدراسة، فأحيانا كثيرة  يدرس البعض للأسباب الخاطئة بالتالي قد يفقد الحماس إذا انتفت الأسباب، البعض يظن خاطئا بأن مجرد حصوله على الدكتوراه كفيل بأن يجعله مرجعا وتحترم جميع ارائه، ويصبح بذلك محل احترام وتقدير بشهادته وحدها، لكن من وجهة نظري الشخصية أن هناك وسائل أرخص وأسهل للحصول على هذا من الدراسة، و هناك فئة أخرى لا تتعدى الدراسة بالنسبة لها أن تكون مهرباً من سلك الوظيفة ليس إلا و فرصة لتغيير رتابة الحياة خاصة اذا كانت بعثة دراسية للخارج مدفوعة التكاليف بالكامل، بالتالي فإن من الأجدى أن تعرف السبب الذي من اجله تريد الانخراط في الدراسة قبل اتخاذ هذا القرار المصيري لأنه بالفعل ستثبت لك الايام ان الشهادة ليست حلا سحريا لمشكلاتك، بل قد تضيف لك أعباء اضافية، ارى شخصيا أنه من الأجدى ان تركز على تنمية مهاراتك الوظيفية، وعوضا عن شهادة أكاديمية قد لا تحقق لك ما كنت تسعى إليه، واليوم هناك حاجة ماسة إلى الشهادات المهنية ربما اكثر من الشهادات الاكاديمية، و هذا يسري على الدكتوراة و غيرها.

هناك تعليقان (2):

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
كالعادة متألقة في الطرح وبصراحة الموقف ووضوح الرؤية.
للاسف اصبحت الدكتوراه عند الكثيرين مجرد لقب تشريف او من اجل تكليف منصب هو في الواقع لا يستحقة لإنعدام الخبرة والدراية الضرورية لهذا التكليف.
القراءة الواسعة قد تتيح لصاحبها ان يكون دكتور إذا ما تعمق في البحث دون ان ينال لقب الدكتور بشكل رسمي..مثال الدكتورة حمده الشامسية المربية الفاضلة
حتى يأذن الله بقراءة اخرى كونوا بأتم حال دكتورة

Unknown يقول...


يسمع منك ربي اخي علي و اصير دكتورة في يوم من الايام، لأن أحد أهدافي بعد التقاعد أن أفرغ للتدريس الجامعي و البحث!