17‏/06‏/2013

تفاحة الرئيس التنفيذي


كان قد مضى على جلوسي في ذلك الكرسي سبع ساعات تقريبا أصابتني بالانهاك الجسدي والفكري، لذا عندما دخل الرئيس التنفيذي للشركة المستضيفة للملتقى السنوي للتوستماسترز مع حشد من كبار الضيوف تهللت أساريري محدثة نفسي أن ذلك إعلانا لنهاية ذلك اليوم الطويل جدا والمنهك إلى حد سواء، عندما نبهني الشخص الذي يجلس بجواري أن هناك كلمة للرئيس التنفيذي مدتها نصف ساعة، شعرت بقلبي يسقط على الأرض، فلم يكن جسدي ولا عقلي قادرين على احتمال خطاب (ممل) آخر لكن الرجل صعد المنصة فعلا يحمل في يده تفاحة خضراء وضعها بالقرب من مكبر الصوت الذي اعتذر عن استخدامه وفضل استخدام مكبر صوت متحرك لكونه لا يطيق الوقوف طويلا في المكان نفسه - هذه إشارة جيدة بالنسبة لي معنى هذا انه لن يطيل الخطاب – ولكن لذهولي الشديد فإنه ما إن فتح الرجل فاه ليتحدث حتى تسمرت كل العيون عليه، بما فيها عيوني النعسة التعبة، كنت أتابع كل حركة تصدر من ذلك الشاب ولم اسمح لنظري أن يتركه سوى لتفحص التفاحة الخضراء، التي بدأ الفضول يلعب في (عبي) عن سبب وجودها، لعله مصاب بهبوط ذلك النهار وجاء بها ليستعين بها على منحه الطاقة التي سيحتاجها لإنهاء خطابه، لذا كانت عيناي تتبعان حركة يديه كلما اقترب من حيث وضع التفاحة الخضراء، التي شغلت تفكيري ذلك المساء، وأنستني ضجري وأخرست لغة التذمر، التي اكتشفت ذلك المساء من بين ما اكتشفته عن نفسي أن كل تلك الساعات من تطبيق تمارين البرمجة اللغوية العصبية، وسنوات طويلة من برنامج تطوير الذات لم تكن كافية لإعادة برمجة بعض السلوكيات السلبية عندي، وعلى رأسها إصدار الأحكام المسبقة عن الآخرين – لعل تلك الأمسية جاءت لتعلمني ذاك الدرس بالذات – ذلك أن الرجل كان مذهلا، الكلمات كانت تنساب منه بدون تفكير، وبسلاسة وبدون انقطاع، كان يمزح ويضحك ويسرد الأمثلة والقصص وينوع في طبقات صوته، ويتحرك على المسرح يمنة ويسرة، وكانت العيون مشدودة له بانبهار تتابع كل حركاته، استمتعت فعلا بتلك الأمسية وبذلك الخطاب أمانة، وحمدت الله أنني لم اسمح لذلك الصوت المتذمر بداخلي أن يخرجني من القاعة، فقد كنت سأفوت على نفسي فرصة الاستمتاع لخطاب جميل استمتعت به جدا، ذلك أنني بالفعل تشدني الخطابات الجيدة تماما كما استمتع بسيمفونية موسيقية، لدي أشرطة من أشهر الخطابات في التاريخ أضعها في السيارة أحيانا، لأستعين بها في التدريب على الخطابة من جهة وكنوع من التحفيز وإثارة الهمة من ناحية أخرى، ذلك أنه لا شي يثير حماسي كما يثيرها خطاب رائع، لعل ذلك هو سبب اهتمامي الشديد واستماتتي في الدعوة لتنمية فن الخطابة ومهارة الاتصال في جيل اليوم، لأنها مهارة كفيلة وحدها بأن تضع المرء على قمة الهرم الوظيفي، وغيابها كفيل بأن يفعل العكس تماما، بإمكانها وحدها أن تلفت الانتباه للمرء وتضعه في الواجهة، ولعل ذلك الظهور الأول لمعالي وزير القوى العاملة أمام مجلس الشورى، والذي استثار ظهوره قلم الكاتبة عائشة السيفية في مقالها الشهير الذي تناقلته المنتديات والرسائل الإلكترونية طويلا، وعلى الرغم من أن المقال كان فيه هجوما – وجدته شخصيا قاسيا على الوزير الشاب – لكن الكاتبة لم تملك نفسها من استهلال المقال بإعجابها الشديد الذي شاركها فيه كثير منا بقدرة الوزير على الخطابة ومهارة التحدث التي ظهر فيها، فإلى جانب حضوره الطاغي والكاريزما التي يتميز بها، بدأ في حواره هادئا، منطقيا، مقنعا، كان يدافع بشراسة عن وزارته لكنه لم يشعر المستمع بذلك، كانت الكلمات تخرج منه واضحة سلسلة ومترابطة، بشكل يثير الإعجاب، هذا التمرس وهذا الأداء الرائع جعل الكثيرين لا ينتبهون أو بالأحرى يتغاضون عن دفاع الوزير الشاب المستميت عن وزارته، بقدر ما كانوا مشدودين إلى براعته في الحوار، أمر نفتقده في مسؤولينا في مختلف المستويات، واعتقد جازمة أن غياب هذه المهارة في البعض أساءت كثيرا لمؤسساتهم التي قد تكون في الباطن تقوم بإنجازات جبارة غير محسوسة لأن مسؤوليها لم يستطيعوا الإعلام عنها، أو لم يتمكنوا من الدفاع عنها، الحوار فن جميل، والخطابة ضرورة ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، أتمنى من معالي الدكتورة وزيرة التربية والتعليم إن تعذر وضعها كمادة تدرس ضمن المنهج الدراسي في مراحل متقدمة، أن يتم التركيز عليها كمهارة أو نشاط مدرسي، أتمنى أن أرى مسابقات على المستوى الوطني لفن الخطابة، تخصص لها جوائز قيّمة كما حدث مع العمل التطوعي.
(التفاحة كانت حيلة لإثارة فضول الجمهور والاحتفاظ باهتمامه، وقد نجحت الحيلة)

هناك تعليقان (2):

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
فن الخطابة والاقناع نجح فيه الغرب الى حد، ان إعلان تجاري ما يدخل سلعة ما التاريخ عند شعوب وثقافات مختلفة
للاسف المسئول العربي يتهرب من الجمهور متناسي ان وظيفته الاساسية هي خدمة الجمهور التي تحتم عليه ان يكون قريباً منهم ومطلعاً على نوع المشكلات التى من المفترض يشاركهم الرأي في حلها. الشفافية بدون مبالغة هي الكفيلة بلفت الانتباه وإصلاح الحال.
اراك اجدت الطرح حيث شددت القارئ من البداية بالتفاحة الى حيث ما اردتِ قوله وهو ينتظر معرفة مصير التفاحة
حتى يأذن الله بالوقوف على تجربة ودرس اخر كونوا بخير

وظائف خاليه يقول...

مقال رائع