28‏/04‏/2013

وهل الزواج سوى مؤسسة


عوامل نجاح المؤسسة الزوجية لا تختلف كثيرا عنها في المؤسسات الاقتصادية ، فهي نموذج مصغر للمؤسسة مكتملة الأنظمة والقوانين والثقافة والاجراءات ، والنجاح فيها ينعكس بشكل كبير على نجاح الفرد في المؤسسة الأولى ، فأداء المرء لمهام وظيفته بالكفاءة المطلوبة تتطلب استقراراً ورضا أسريا ، والنجاح في هذه المؤسسة لا يأتي صدفة ولا بد من العمل الدؤوب من جميع الأطراف لتحقيقه ، أحيانا كثيرة يكون ثمن هذا النجاح بعض التنازلات التي يتقدم بها الشريكان في المؤسسة الزوجية ، والتي من أهم شروطها ألا يتنازل طرف بأكثر من 50% حتى لا يخسر نفسه ، لكن من المؤسف أن الكثيرين يتنازلون بأكثر خاصة في بداية الزواج وبالأخص المرأة التي تتنازل عن طموحاتها وهواياتها وصداقاتها والكثير من اهتماماتها من أجل إرضاء شريكها في هذه المؤسسة ، لذا ليس من النادر أن يسمع المرء عبارت الشكوى والتذمر من قبل الطرفين بعد فترة وجيزة من الزواج ، والحقيقة أن الفترة الأولى التي تلي شهر العسل والتي تستمر سنوات في بعض الأحيان هي من اصعب شهور الزواج على الاطلاق ، ويتحول منزل الزوجية خلالها إلى قطعة من الجحيم بالنسبة للبعض ؛ ذلك لأن هذه الشهور يتخللها فترة (التأقلم) لكليهما ، بسبب التقاء شخصين مختلفين في العادات والسلوكيات والنفسيات عن بعضهما البعض ، ولكون الفرد عبد عاداته ، سيجد كلا الطرفين صعوبة شديدة في التخلص من بعض العادات والسلوكيات التي تربى عليها والتي سيرفضها الطرف الآخر، ذلك أن الطبع يغلب التطبع كما في الحكمة الدارجة ، وسينشأ صراع حتى يبدأ الطرفان بالتأقلم شيئا فشيئا مع أجواء المؤسسة الزوجية الحديثة ، هي مرحلة خادعة تختبر فيها الحياة مقدار قوة وقدرة الفرد على الاستمرار ، وأحد اسباب المشاكل التي تتعرض لها هذه العلاقة هو التركيز على عيوب الطرف الاخر ومحاولة تغييرها، متناسين أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فإن كان المولى جلت قدرته الذي إنما أمره إن اراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، يقول لنا ذلك ، فما بالنا نحن البشر نعيش صراعا أبديا لاينتهي في محاولة تغيير من حولنا ليكونوا نسخة مكررة منا ، إن كنا نعتقد أن التغيير سهل لم لا نغير أنفسنا ثم ما الذي يجعلنا على ثقة بأننا على صواب ، وأن الامور يجب أن تسير كما نراها نحن ، الا يمكن أن تكون هناك احتمالية بسيطة في أن يكون هو على صواب وانت لاتدركين ذلك ، هل حاولت لمرة واحدة فقط أن تضعي نفسك في مكانه وتري الأمور بعينه هو ، قد تفاجئين بأن الصورة تبدو أجمل وأكثر اكتمالا مما هي عليه من الزاوية التي تقفين عليها، شيء آخر علينا إدراكه وهو أن الذي نركز عليه انتباهنا يكبر حجمه مع الأيام فيحجب الرؤية عن الاشياء الأخرى الموجودة في محيطنا بحيث أننا لا نراها ، لذا فإن التركيز على عيوب الطرف الاخر وتصيد زلاته سيجعله في نظرك كتلة عيوب وزلات ، والعكس هو الصحيح ، لذا تعلم أن تركز على الحسنات والسلوكيات الحميدة في شريكة حياتك، امتدحها واشكرها على التصرفات الصغيرة التي تصدر منها محاولة لإرضائك دون أن تتوقعها وانظر الفرق في سلوكها ، في النهاية فإن الزوجة كما الزوج كلاهما طفل كبير يبحث عن حضن أمان في شريك حياته ، والرجل بالذات لأنه يعيش كما من الصراعات والمعاناة مع محيطه خارج المنزل المتمثل في العمل والاصدقاء ، وعندما يعود للمنزل يتوقع أن يجد فيه سلاما وأمانا يمتص كل تلك المتاعب ، فمنزل المرء منا رجلا كان أو امرأة هو ركن الأمان والجنة التي نأوي إليها ملتمسين الراحة والطمأنينة بيدنا وحدنا أن نجعلها كذلك للطرف الاخر، كثيرا ما نرى الزواجات الطويلة تكاد تكون نموذجية ، ونستغرب نحن الشباب عندما نرى الألفة والحب الذي يجمع بين كبار السن ، لكن هذه العلاقة لم تصل إلى هذا المستوى صدفة بل كانت رحلة طويلة يتخللها الكثير من العمل والتغاضي عن الزلات من كلا الطرفين ، والكثير من الصبر والتفهم والتضحيات ، لذا فإن هذين العجوزين اللذين تغبطهما على سعادتهما يجنيان ثمرة نبتة زرعاها منذ عقود ورعياها حبا وصبرا وتدليلا ، لذا لا يأتي النجاح الزوجي سهلا كما يتصور المرء بل هو نتاج جهود ونجاحات وزلات كثيرة حتى يصل إلى هذه المرحلة من الاستقرار، ومن الطرفين وإن كنت أعتقد شخصيا أن المرأة تلعب الدور الأكبر في نجاح وفشل المؤسسة الزوجية ، بيدها نجاحها إن أرادت وبيدها أن تأخذها ومن فيها إلى الهاوية..هو خيار إذن في النهاية.

هناك 4 تعليقات:

faroukfahmy يقول...

حمده الشامسية
ياليت كل زوج وزوجه يمران فى شارع عطائك للحياة الزوجيه
حقا النجاح الزوجى نتاج جهود تبذل من الطرفين وانا معك ايضا ان المرأة تلعب الدور الاكبر فى هذا المضمار
الفاروق

Unknown يقول...

وياريت يدرك الزوجان أن ما يزرعانه في بداية الزواج يحصدانه في شيخوختهما معا...شاكرة مرورك الكريم

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
الاعتراف بقصور القدرات عند الطرفين وتجاهلها وتنمية ما يمكن تنميته والسعي للتكامل وفق المشتركات الموجودة هو السبيل الامثل للعيش .
المشكلة اليوم هو عدم القناعة والثقة بالنفس بأن نكون سعداء في حياتنا، وما يشجع ذلك للاسف الاعلام والانفتاح ومحاولة تجربة وتقليد كل جديد ، مشكلة إذا لم نعرف كيف نأخذ ما ينسبنا . اليوم يجب ان نحص انفسنا داخلياً من الاعلام ونعكاسه على حياة الاسرة بدءً من اختيار الشريك وانتهاء بطرق التربية الصحيحة
حتى يأذن الله بقراءة اخرى نسأل الله التوفيق والسعادة للجميع كونوا بخير

Unknown يقول...

أخي علي
هي كذلك فعلا، تمنياتي للجميع بزواج سعيد، وحب يدوم إلى آخر العمر.

يومكم ماطر جميل