هذا المقطع من قصيدة ناجي التي غنتها أم كلثوم يعبر
عن الحالة التي يعيشها البعض من الموظفين ممن ابتلي بمسؤول متعنت يرفض التفويض،
ويصر على ان (يكوّش) على العمل، سعيا منه أن تكون الأضواء مسلطة عليه وحده على
الدوام، وإن كانت الضحية الأكبر في هذا هي المؤسسة ومتلقي الخدمة بالدرجة الاولى،
إلا ان غياب التفويض مؤذ لكل من المسؤول نفسه ومرؤوسيه على حد سواء، فغياب التفويض
يجعل المسؤول منهمكا في الأعمال المكتبية الروتينية على حساب التطوير والتخطيط ،
ويؤدي إلى تعطيل العمل وتأخر إنجاز المعاملات لأن اية معاملة لا بد أن تمر به دخولا
وخروجا، فإذا كان هذا المسؤول ممن يقضي ثلث وقته أصلا عابرا (المكاتب والممرات) أو
خارجا كل بضع ساعات للتدخين، أو كثير التغيب فعلى معاملات الناس السلام، ويرجع
خبراء التنمية البشرية عدم القدرة على التفويض إلى خلل في السلوك عند الفرد الذي
يتميز بالشك وعدم القدرة على الثقة بالآخرين، وفي بعض الأحيان تنبع من غياب الثقة
بالنفس وتقدير الذات إذ تكون هذه الوسيلة الوحيدة التي يشعر فيها هذا الشخص
بالانجاز، وهي ايضا وسيلة يتخذها البعض لإخفاء عيوب في الكفاءة المهنية، إذ يتشبث
المحاسب بالمهام الروتينية لتسجيل القيود واليومية مهما بلغت به المناصب، لكونه
تنقصه المهارات القيادية ومهارات اخرى تتطلبها المناصب القيادية العليا فيدفن نفسه
أمام شاشة الحاسب الآلي هربا من مواجهة ضعف كفاءته، وكذا الحال بالنسبة للفني
والكاتب، البعض ممن ينطبق عليهم وصف (أبو العريف) على سبيل المثال ممن يشعرون أنهم
الوحيدون العارفون، وسواهم لا يعرفون شيئا، لذا يرفض مثل هؤلاء مشاركة الآخرين
بالأفكار والاقتراحات، والحقيقية أنه لا يوجد إنسان على وجه هذا الكوكب يستطيع
القول أنه الوحيد العارف في زمن أصبحت المعلومات تتضاعف فيه كل سبع سنوات في كل
المجالات، الأمر الذي فرض التخصص في مجالات عدة فاليوم علم واحد مثل الهندسة يقع
فيه ما يربو على المائة تخصص، لذا فإن من يدعي المعرفة التامة إنما يعيش كذبة
كبيرة، هناك أيضا الحاجة عند البعض للسيطرة على من حولهم، محاولين تغييرهم ليكونوا
نسخة منهم، وهي مضيعة للوقت والجهد على حد سواء ولن تؤدي بصاحبها سوى إلى اليأس
لأنك لن تستطيع أن تغير من حولك ليكونوا نسخة منك أو يتصرفون على هواك، فلكل إنسان
طريقته في العمل التي قد تكون مختلفة عن الطريقة التي تعمل بها أنت، فما دامت
النتيجة واحدة لا يهم كيف يتم انجاز العمل، السعي نحو الكمال ايضا سبب، إذ أن هناك
من يريد كل شيء ينجز بدقة متناهية وهم فئة المهوسين بالنظام، وهذا بحد ذاته مرض لأن
الكمال لا وجود له في العالم الأرضي فالكمال لله وحده، مهما حاولت أن تقنع نفسك أن
طريقتك في العمل ستؤدي إلى نتيجة كاملة فأنت مخطئ، اضف إلى ذلك أن كثيرين منا مصاب
بداء الغرور ونعتقد بأننا الوحيدون الذين نعرف خبايا الأمور وأن طريقتنا في انجاز
الأعمال هي الطريقة الوحيدة فنتمسك بها، لكن لو منحنا انفسنا فرصة ربما اكتشفنا أن
هناك طريقة لانعرفها، فامنح نفسك والآخرين فرصة لاكتشافها، وكأغلب ظواهر الخلل
السلوكي لا يتطلب التخلص من هذه المشكلة سوى الاعتراف بوجودها في بعض الأحيان
وبالتالي مواجهتها، فكما يقال التشخيص نصف العلاج، أدرك أن التخلص من هذه العادة
ليس بالسهولة التي يتصورها الكثيرون لكن حتما هي ليست مستحيلة، عليك فقط ان تتخذ
خطوات صغيرة كل يوم للتخلص من هذا السلوك المرضي الذي قد يودي بك إلى التهلكة يوما
ما، لأنه سيأتي عليك يوم تتعب فيه من لعب الدور الرئيسي في كل مكان، ابدأْ بتفويض
بعض الصلاحيات البسيطة ثم تدريجيا انتقلْ للمهام الكبرى ، و سترى كيف أن تفويض
الصلاحيات سيكون له مردود إيجابي على حياتك كلها، فهو يجعلك تركز على المهام
الأساسية والمهمة التي من اجلها تم تعيينك في هذا المنصب، والتي سيكون لها تأثير
على مسارك المهني إن أنجزتها بكفاءة تعادل كفاءتك في إنجاز المهام الروتينية،
وسيكون لديك متسع من الوقت لأسرتك وللاهتمام بنفسك وممارسة هواياتك بمعنى آخر وقت
لممارسة حياتك أنت، وفي الجانب الآخر فإن التفويض يعطي الشخص الاخر إحساسا بالإنجاز
وبأهميته وبأنه عضو فعال، ابدأ بالتمرس على امتداح العمل المنجز حتى لو لم يكن
بالمستوى الذي تتوقعه، تمرس على تقدير جهود الآخرين وامتداحهم، أعطِ فرصة لمن حولك
لتفجير طاقاتهم والتعبير عن مواهبهم فقد يدهشك ما يستطيع من حولك القيام به، وفي
النهاية فإن هذا سيكون له مردود ليس على انجاز قسمك أو دائرتك فحسب ولكن على مستوى
المؤسسة والوطن بشكل عام، هذه المواهب امانة عليك مراعاة الخالق فيها، وثق أن الله
لا يضيع أجر من أحسن عملا، فبنجاح من حولك ستنجح وتتقدم، اجعلها فوزا لكل الأطراف
فليس بالضرورة أن يكون لدينا فائز وخاسر في كل شيء
هناك تعليقان (2):
سلام عليكم..
الاستئثار بالقرار واحتكار طريقة العمل وتهميش الاخرين على مستوى الرأي والعمل ، كل موصلة للفشل بدليل ما يشهده العالم من فوضى حتى في الدول الديمقراطية هناك حرية رأي لكن الامر والقرار بيد فئة معينة.
وقس على ذلك الفشل الاسري والاجتماعي والسياسي كل نتاج هذا الثلوث المدمر.
حتى يإذن الله بقراءة نافعة كونوا بخير تواضع وتقدير
للاسف ينقصنا القليل من التواضع بالاعتراف بقدراتنا وإمكانيتنا وتقديرها تقديراً صحيح .وتغلب علينا الثقة الزائدة لدرجة الانانية ، كلها مشاكل نفسية وخلقية يعاني منها اكثر الناس انما تظهر في من بيده القرار وعنده المسئولية
شكرا أخي علي على المرور، أتفق معك تماما
إرسال تعليق