عدت من إجازتي السنوية التي
حرصت كل الحرص أن تكون إجازة حقيقية أقطع فيها صلتي بالعمل
وأنخرط تمامًا مع جو الاجازة، تنفيذًا لقرار اتخذته في السنوات الأخيرة، لم يكن الأمر سهلا في البداية على مدمنة عمل مثلي، لكن
شيئًا فشيئًا بدأت أتعود، الإجازة الأولى تخللتها بعض الزيارات للمكتب في
بدايتها، والرد على بعض الرسائل
التي أجدها في البريد الاكتروني
وتلقي بعض المكالمات الخاصة بالعمل، الإجازة التي تلتها
توقفت تماما عن زيارة المكتب واكتفيت بالرد على بعض الرسائل المهمة، وهكذا إلى أن وجدت نفسي هذا العام آتخلص من الكثير من هذه
العادات، خاصة وأنني بدأت التحضير لها قبل مدة فبدأت أعمل بشكل متواصل الشهرين
الذين سبقًا خروجي في إجازة على إنجاز المشروعات التي يمكنني إنجازها قبل خروجي،
حرصت على إخطار الجميع بمشروع
الاجازة قبلها بمدة طويلة
أيضًا حرصًا على إنهاء المشروعات المشتركة، تصرفت وكأنني لن
أعود للعمل مرة أخرى الأمر الذي منحني دافعا لانجاز الأعمال بشكل تام، حتى جاء موعد الاجازة فوضعت رسالة في بريدي بأنني في إجازة،
وكذلك حدثت حالة الواتساب والبلاكبيري بأنني خارج السلطنة ولن اتقبل مكالمات خاصة
بالعمل، وصادفت مسؤولي المباشر أثناء خروجي متأخرة من العمل في آخر يوم عمل لي
فنقلت له رغبتي في إجازة حقيقية هذه المرة فأخذت منه مباركته على هذا القراروعدا
(بعدم الازعاج)، وهكذا هيأت نفسي لاجازة حقيقية وركبت الطيارة ذات اليوم مصرة على
عدم الالتفات للخلف وعدم التفكير في العمل ما استطعت لذلك سبيلا، لم يكن طبعا
اسكات ذلك الصوت بداخلي الذي
يحرضني على فتح الايميل كل
صباح والرد على الايميلات سهلا، ولم يكن سهلاً أبدًا تجاهل
المكالمات الهاتفية التي لسبب أجهله تكثر بشكل ملحوظ جدًا أثناء وجودي خارج السلطنة فتنهال علي مكالمات من أشخاص نادرًا ما أسمع
منهم عندما أكون في عمان، لكن
تمكنت إلي حد كبير من
الالتزام بهذا الوعد لنفسي بإجازة حقيقية لم أحظى بها طوال فترة
عملي، وأظنه شأن الكثيرين مثلي ممن أقنعوا أنفسهم بأن العالم سيتوقف لو هم خرجوا في إجازة و قطعوا كل صلة لهم بالعمل، لكنني
اكتشفت أمرًا مهما في السنوات
الأخيرة وهو أن الشمس لن
تتوقف عن الدوران، وأن الهيئة لن يتوقف عملها بسبب عدم وجودي
أنا فيها، والهيئة استمرت تستقبل وتنهي معاملات الناس، لذا فليس هناك داع في الحقيقية لأن احمل نفسي كل هذا العبء، فأنا وغيري نعمل
على مدار العام و هذه الأسابيع التي خصصت لراحتنا هي في غاية الأهمية لنا
كأفراد وللمؤسسات التي نعمل فيها، فهي فرصة لاراحة الجسد والعقل على حد سواء، فرصة
لالتقاط الانفاس واستجماع النشاط والطاقة لسنة أخرى قادمة، هي حق لنا على أنفسنا
وحق لأسرنا، لكن تتزايد نسبة
الأفراد الذين يحجمون عن
الاستفادة من هذه الاجازة ليس في السلطنة فحسب، ولكن على مستوى
العالم، اذكر أنه قبل سنوات اضطرت الحكومة إلى إصدار تعميم للوزارات من أجل تصفية إجازات الموظفين ومنحت هذه الجهات ثلاث سنوات
لتصفية أرصدة موظفيها الذين لم
يستغلوا أرصدة الاجازات
المستحقة لهم بحجة (مصلحة العمل)، حجة نوهم أنفسنا بها رغم أن
(مصلحة العمل) ليست هي الدافع الحقيقي وراء عدم استمتاع الموظفين بإجازاتهم بل هناك أسباب أخرى لعل أخطرها هو عدم الثقة بالنفس أو
بالاخرين أحيانًا أو بالأحرى
عدم الاحساس بالامان على
الوظيفة التي سنترك لأسابيع طويلة، فنشعر بالخوف من فقدان الوظيفة
أو فقدان فرص الترقي الوظيفي، وأحيانًا أخرى القناعة بأننا نعطي لجهة عملنا انطباع جيد لو استمررنا في العمل طوال العام، وطرد فكرة
عدم الحرص على مصلحة العمل لو فكر المرء في الاستمتاع بإجازة سنوية طويلة استحقها،
ويوهم البعض أنفسهم بأن العمل سيتأثر لو خرجوا في إجازة لأن المؤسسة لا تستغني
عنهم و قد يعطل العمل بغيابهم، ،وهي حجة تدل و إن دلت على شيء على ضعف كفاءة
العمل في هذه المؤسسة ودليل فشل هذا الشخص إن كان في موقع مسؤولية فالذي يردد هذه
العبارات يقول في الواقع أنه
فشل في وضع نظام في مؤسسته
قادر على تسيير العمل بكفاءة وفاعلية سواء كان هو موجودًا
أو لا، لأن فكرة أن العمل يعتمد على شخص معين فكرة مخيفة ودليل أن هذا الشخص لم يهيئ الأنظمة ولا الموظفين الذين يديرهم على
العمل باستقلالية، والذين من
المفترض أن يكونوا قادرين
على لعمل دون توجيه ورقابة مستمرة، بهذا نلغي من قواميسنا عبارة
(المسؤول في إجازة تعال بعد شهر أيها المراجع المسكين) الاجازة حقا مشروعة تنص عليه جميع قوانين العمل في جميع دول العالم،
والتنازل عن هذا الحق ليس من مصلحة
الموظف أو حتى جهة العمل؛
لأننا كبشر في النهاية لدينا طاقة محددة لايمكن تجاوزها وإلا
سقطنا فرائس للأمراض الجسدية والنفسية والاجهاد، فإذا كنت أيها القارئ الكريم لم تتمتع بإجازة سنوية للثلاثة أعوام الماضية حرصًا على
مصلحة العمل نصيحتي لك بأن تملأ تلك الاستمارة الان وتغلق جهازك النقال وتذهب لأي
مكان تجد فيه متعه نفسية؛ لأن العمل لن يتوقف، أنت تستحقها فعلا، خاصة بالنسبة
للأفراد الذين يعملون على مدار
العام بدون إجازات قصيرة
وأذونات خروج دائمة وتأخير مستمر
هناك تعليق واحد:
سلام عليكم...
الحمدلله انك استمتعت بالإجازة،تحليلك في محله بخصوص هواجس بعض الناس الذين يلتزمون بالعمل بحجة المصلحة.
كما ان الإجازة تحتاج إلى تخطيط مسبق للإستفادة منها بشكل جيد خصوصاً إذا كانت طويلة نوعاً ما ،على امل العودة للعمل بنفس مرتاحة لا العكس مشكلات الاجازة إن وجدت تنعكس على العمل..موفق الله الجميع للسداد
إرسال تعليق