11‏/11‏/2012

الشرطي الذي صافحني



دخلت في حوار مع بعض زملاء العمل من غير العمانيين قبل أسابيع عن سبب اختيارهم عمان للاقامة فيها مدفوعة بعبارة قالها أحد معارفنا من الجنسية الهولندية الليلة التي قبلها، بأن عمان أفضل مكان لتربية الأطفال فيها لكونها أرضا مازالت تحتفظ ببرائتها وعاداتها وقيمها وهي في هذا من البلدان القليلة جدا في العالم مما يجعلها جنة حقيقية، كانت اجابة الجميع لا تخرج من هذا الاطار أحدهم أجابني بانه جاءها زائرا من دبي فاستوقفته سيارة شرطة مرور اثر مخالفة مرورية، ترجل من سيارته سريعا ليفاجأ بالشرطي يفعل الشيء ذاته ويتجه له مبتسما ومادا يده مصافحا، بعد تبادل عبارات التحية حدثه عن المخالفة، نظر اليّ قائلا: أجزم بانكم الشعب الوحيد الذي تصافح الشرطة فيه أفراد الشعب فقد طفت العالم وعشت في دول هي الأكثر تقدما لكن في حياتي لم يصادفني شرطيا يمد يده لي مصافحا ويعطيني المخالفة مبتسما، قررت حينها أن انتقل للعيش في بلادكم، التي تقلقني من الان فكرة مغادرتها، استذكر هذه العبارات كثيرا وأنا بعيدة عن عمان، يفعل بي السفر هذا دائما، وأظنها نعمة من أجمل نعم المولى علينا نحن من اتيح لهم السفر الدائم عنها، فهذا يجعلنا نشعر بالنعمة التي نحن فيها بكوننا ولدنا وعشنا على هذه الأرض، لله الفضل والمنة في ذلك، فعلى الرغم أنني أدمنت السفر لدرجة أنني أبدأ بالتذمر من كآبة عمان اذا مرت ستة أشهر دون مغادرتها الا أنني ما ان ارحل عنها حتى يعيدني الحنين اليها بعد أسبوع واحد من مغادرتي لها،حتى شمسها الحارقة تشعرني أنني في نعمة حقيقية، وأنا أتفحص ثلاجتي هذا الصباح لأكتشف أن الاطعمة فيها قد تعفنت في علبها التي فتحتها منذ أسابيع، عندما يشل حركتي البرد لأيام أحن كثيرا لدفء الشمس، عندما ألمح قائدي السيارات يوقفون محركات سيارتهم عند اشارات المرور وعند أي توقف قصير توفيرا للوقود أشعر فعلا بالامتنان لما نحن فيه، منظر رفاقي على الحافلة السياحية وهم يخرجون أرغفة الخبز من حقائب الظهر التي يحملونها لدهنها بقليل من الزبدة وتناولها كوجبة غداء فيما نقف نحن بين المطاعم حائرين أي طعام نجرب اليوم، مشهد الناس في أحد المحلات التي تبيع الاغراض المستعملة وهم ينبشون بين الملابس المعروضة بحثا عما يمكن ان يصلح للبس منها اذ آن أغلبها قد استهلك حتى انه لم يعد يصلح للاستخدام أصلا لكنه بخس الثمن لدرجة مغرية بالنسبة لهم، هذا في أوروبا فما بالك في الدول الأشد فقرا، لعل هذه المشاهد التي تتكرر كثيرا في سفراتي بعيدا عن الوطن أحد الاسباب التي تجعلني أشعر بالرضا عن حياتي ربما لولا السفر لأصبحت أنا أيضا متذمرة، المقارنة في كل شيء تشعرني أنها تبرز محاسن وعيوب الاشياء بطريقة أكثر وضوحا، وهو سلوك لو اعتدنا عليه آشعر بأنه يضفي نوعا من البهجة على حياتنا، فنحن البشر بشكل عام أيا كان موقعنا لا نشعر بقيمة ما نملك الا اذا فقدناه، وفي هذا المقام أستذكر حوارا دار بيني واحدى معارفي التي أصيبت بمرض نادر أفقدها الحركة فجأة فظلت حبيسة سريرها لأشهر طويلة، كانت تكرر على مسامعي حلمها الاكبر وأغلى أمنياتها على الاطلاق هو أن تقف على رجلها من جديد، (أريد أن أقف على رجلي من جديد وأمشي، فقط أمشي) وها نحن نملك هذه الارجل وكل أطرافنا وأعضائنا لكننا نبقيها معطلة أغلب الاوقات، أوليس هذا محزنا حقا، لذا ان سمعتموني اتغنى بحب عمان دائما ثقوا أنه ليس تصنعا أو نفاقا بقدر ما هو شعور حقيقي ولدته تجربة الابتعاد عنها، وسلوك المقارنة الذي ما يفتأ يلازمني، وأجزم أنني لست الوحيدة في ذلك اذ أن كل من جرب الاغتراب وأيا كان موطنه يشعر بذات الشعور، لا أرض تعادل الوطن ولا حب يعادل حب الوطن، هذا ما قالته لي عيون سيدة باكستانية دعتني على العشاء في منزلها قبل أيام عندما لاحظت عيناها تبرق فرحا كطفلة وهي تحدثني عن أصولها ومسقط رأسها هي التي اضطرتها لقمة العيش أن تهجرها أسوه بالعديد من أبناء جلدتها الذين أصبحوا يشكلون غالبية عظمى وسط الجاليات غير الأوروبية هنا في أوروبا، وهو ما قرأته في لهجة الطفلة السودانية التي لم تعرف من السودان الا اسما ورسمه في خريطة لكنها تتحدث العربية بلهجة سودانية قوية جدا حرص والداها على تربيتها عليها رغم قرار الهجرة ورغم الجنسية الاوروبية ما زال الأمل قويا في أن تعود يوما لتستقر في مسقط رأس أبويها، اسأل الله تعالى أن يحقق لها ما تتمنى وأن يعيد كل مغترب الى وطنه، وأن ينعم علينا بالامن والسلام على أرض عمان ولا يضطرنا الى هجرتها يوما،فلا أتخيل حياة بعيدا عن هذه الارض المباركة.

هناك تعليقان (2):

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
ارض عمان وشعبها اصحاب حضارة للاسف ،غائبة حاليا عن المشهد العربي هذا احد مميزات الشعب العماني الوداعة والطيبة،ويبقى الوطن عز الانسان وحبه كوالديه حبهم فطري...حمى الله بلاد المسلمين

Unknown يقول...

و عليكم السلام أخي علي موسى
عمان لم ولن تغيب عن الساحة وعن القضايا العربية أخي الكريم، لكننا نعمل بصمت وبدون ضجيج تاركين أعمالنا تتحدث عنا، ن نتدخل في شئون الاخر لأننا لا نحب أن يتدخل أحد في شئوننا ليس إلا

شاكرة لك المرور الكريم