16‏/09‏/2012

صديقي اللدود

عرضت مؤخرا لموقف قاس أصابني بالصدمة والذهول في آن واحد، الصدمة جاءتني من فكرة أقنعت بها نفسي بأنه لا يمكن أن يفكر أحد في ايذائي، ليس سذاجة مني بقدر ما هو تاريخي الطويل الذي يؤيد قناعتي هذه، فقد عشت ولله الحمد والمنة حياتي كلها تقريبا دون أن يفكر احد بايذائي، اليوم وأنا استذكر طفولتي لا اذكر حتى انني تشاجرت مع إخوتي، فقد كنت حنونة كثيرا عليهم، وارتبطنا طوال حياتنا بعلاقة استثنائية لم يعكر صفاءها خلاف حتى هذه اللحظة، وكذلك كان الأمر في الحارة والمدرسة، باستثناء بعض المواقف التي كانت تحدث من آن لآخر من زميلة في صفي، لم تتعد شقاوة تلميذة صغيرة، ثم انتقلت للعمل واستطعت ان احتفظ ايضا بعلاقات استثنائية مع كل من حولي، مما جعل نفسي تطمئن إلى كون الأمور ستسير على هذا المنوال ابد الدهر بالنسبة لي، إلى ان باغتني احدهم وأخذني على حين غرة بصدمة حياتي التي حملتها معي إلى اجتماعي الأسبوعي بصديقتي المقربتين، والذي عادة ما نستعرض فيه ما تعلمناه خلال ذلك الأسبوع وما مر بنا من تجارب، بغرض تقييم إنجازاتنا وهو الهدف الذي من أجله وجد هذا الاجتماع، استمعت إلي الدكتورة ندى بهدوء تام ثم سرحت بعينها بعيدا خارج النافذة حتى خلتها لم تسمع ما قلته، ثم وبدون أن تنظر إلي أو تشيح بنظرها عن النافذة قالت لي بصوت بدا فيه وكأنها تحدث به نفسها: سبحان الله، ترى ما الدور الذي جاء هذا الانسان ليلعبه في حياتك في هذا الوقت بالذات؟! اصابني سؤالها بصدمة اخرى لا تقل غرابة عن تلك التي جئت بها، لكنها اعطتني ذلك المساء أثمن درس في حياتي، عندما استرسلت تشرح لي وجهة نظرها بأن كل إنسان يمر في حياتنا- صديقاً أو عدواً- انما أرسله المولى جلت قدرته في الحقيقة ليؤدي دورا مهما في حياتنا وفي مرحلة نمونا وتطور شخصياتنا، لا احد يأتي صدفة، ولا أحد يخرج من حياتنا صدفة على حد تعبيرها، ذلك العدو الذي آذاك جاء مأمورا، ولحكمة يعلمها الله وحده، وذلك الحبيب الذي غادر مفترشا دموعك ما كان ممكنا له ان يبقى اكثر مهما حاولت استبقاؤه ذلك لأنه قد أدى الدور الذي جاء من أجله، لأن الله سبحانه وتعالى ببساطة لا يرسل لنا التجارب القاسية فقط من اجل تعذيبنا وهو الرؤوف الرحيم، كل تجربة نمر بها هي لبنة ضرورية لن يكتمل بناء شخصيتنا وحياتنا بدونها، جاءت لتضيف لذلك البناء وتجمله وتكمله ليس إلا، أولم يقل المصطفى صلى الله عليه وسلم (عجباً لأمر المؤمن إنّ أمره كله له خير)، رغم يقيني بانني لن أعرف حكمة المولى من هذا الامتحان إلا ان ما قالته ندى ذلك المساء كان كفيلا بأن يجبرني على تغيير صيغة السؤال الذي ما برح يتردد في ذهني طوال ذلك اليوم، وهو: لم فعل ذلك الشخص ما فعله؟ وما الدرس الذي علمنيه هذا الموقف اليوم؟! والعجيب أنه تبينت لي سلسلة طويلة من الفوائد التي خرجت بها، ليس من ذلك الموقف فقط لكن من كل موقف آلمني يوما ما، فسؤالها ذاك جعلني استعرض رحلتي الطويلة التي كشفت لي أن الفضل الأكبر في نجاحي في الحقيقة وكل ما حققت يعود للمواقف المؤلمة التي اعترضت طريقي يوما ما أكثر منها نتيجة لحظات السعادة والرضا، فأولئك الأصدقاء الذين جاءوا متنكرين في هيئة اعداء في يوم ما – ان وجدوا- يرجع لهم الفضل في تضخيم عيوبي أمامي وجعلي أراها بذلك الحجم غاية في البشاعة مما ساعدني في الحقيقية على تجاوزها، وذاك الصديق اللدود باستمراره في نقدي منحني الحافز للتفوق لأثبت له بأنني أفضل مما يظن، لولا منافسة عدوي لي على كثير من الأمور التي طمحت لها وسعيت لها لما تكون لدي الحافز للاستمرار في سعيي، جميعنا مسخرون سواء مثلما الطبيب سخره المولى لعلاجنا رغم انه سبحانه هو الشافي، والطبيب ما هو إلا سبب لدى مسبب الأسباب، كذلك من يأتي حاملا بقلبه سوء نية تجاهنا هو أيضا سبب، أنعشتني كثيرا هذه الفكرة، وشعرت بإحساس عارم بالامتنان لذاك الانسان عندما فكرت في الأمر بهذه الطريقة، واختفى غضبي عليه، وشعرت بالامتنان لله بأن منحني اصدقاء بهذه الروعة لم يشعلوا غضبي ولم يثيروا نقمتي وانما ساعدوني على رؤية الأمور من زاوية أخرى ما كان ممكنا لي رؤيتها والغضب يسدل ذلك الغشاء على قلبي!.

هناك تعليقان (2):

علي موسى يقول...

سلام عليكم...
مقالة رائعة وتحليل الدكتورة للموقف جدا موفق. دليل - مشاء الله - دراية ووعي..شكرا للطرح

Unknown يقول...

أخي علي موسى

شكرا للمرور