29‏/07‏/2012

الكلاب مستمرة في النباح


عندما انتقلت إلى منزلي الجديد في مايو من عام 1995 تاركة الحي المكتظ بالسكان إلى حي جديد لا تتعدى البيوت فيه اصابع اليد الواحدة، ومنذ أول يوم لانتقالي في الحي لاحظت بأنه ومنذ اللحظة التي تخرج مقدمة سيارتي من البوابة، تبدأ الكلاب التي لا أعرف من أين كانت تظهر فجأة بالنباح بشراسة، كان الشارع يبعد 200 متر عن المنزل مما يضطرني إلى استخدام طريق غير معبد للوصول إليه، فكنت اضطر أن أسير ببطء واحيانا أتعمد ايقاف سيارتي لأظهر للكلاب حسن نيتي، وانني لا أنوي ايذاءها، وانني سأكون خير جارة لها لكوني شخصية مسالمة ولا أقوى على إيذاء ذبابة، كنت اشعر بالامان خلف زجاج السيارة، لكن التركيز في وجوه الكلاب كان يثير الرعب في قلبي، فملامح وجهها تنم عن غضب وحقد لم أعرف مصدره، ولم أفهم لما تتوجس مني هذه الكلاب شرا، كلما سرت عدة مترات للأمام كلما ظهر لي مزيد من الكلاب التي ما تكاد تسمع نباح رفيقاتها حتى انضمت للسرب ودون حتى ان تعرف لم رفيقاتها يمطرنني بكل ذلك الحقد والغضب، خلال لحظات يتجمع ما يزيد عن ال20 كلباً من مختلف الفصائل والمراحل العمرية، من بينها كلبة يبدو أنها ولدت حديثا لحظتها ترضع صغارها في ظل جدار بيت جاري لكن ما ان اقتربت السيارة منها حتى تركت صغارها وانضمت للسرب، وهي بالكاد تستطيع المشي، عندما اصل الشارع المسفلت كان يحلو لي ان اضغط على البنزين بأقوى ما عندي واجعل السيارة تختفي سريعا، ستزيد حينها الكلاب من سرعتها ايضا محاولة اللحاق بي، لكنها ستيأس بعد لحظات وتعود من حيث اتت، وفي كل الأحوال اكون انا محصنة من نباحها في سيارتي مدركة انها لا يمكنها التعرض لي بأذى، من غرائب الصدف أن أنتقل لبيت آخر حيث الحي ايضا جديدا، تسكنه الكلاب الضالة، وكما حدث في المرة السابقة، استقبلتني كلاب الحي الجديد ذات الاستقبال، لكن هذه المرة كان منزلي ذا طابقين مما أتاح لي مشاهدة ما يحدث حولي من نافذة غرفتي، وهذا أتاح لي اكتشاف أن الأمر لا علاقة له بي البتة، ذلك أن الكلاب كانت تصب جام غضبها وحقدها على كل سيارة عابرة وبالعنف ذاته، وهي في هذا شبيه ب فئة (سارقي الأحلام) من حولنا، أؤلئك الذين يتصيدون أخطاء الاخرين وينتقدون تصرفاتهم، ليس لشيء سوى لكونهم لا يستطيعون أن يكونون مثلهم، هم يستميتون كتلك الكلاب في عرقلة مسيرة الناجحين نحو أهدافهم،و كما هي عداوة الكلاب غير مبررة كذلك هي تصرفات بعض البشر ممن سيحاولون بذل اقصى الجهود لمحاربة نجاح الاخرين، رغم أن ذلك النجاح لا علاقة له بهم لا من قريب ولا من بعيد، حتى لو كان الشخص ينجح في مجال بعيد كل البعد عن مجال عملهم، ولن يضيرهم نجاحه باي شكل من الاشكال، لكن رغم ذلك سيحاولون جاهدين التشكيك في نواياه، وفي قدرته على المضي قدما في الدرب الذي سار فيه، وسيذهب البعض إلى ابعد من ذلك ويحاول ان ينتزع منه ما حصل عليه بجهوده الشخصية، باستخدام الوشاية، والتشكيك في الذمة، ولعل مشهد مباراة كرة القدم لهو من أكثر المشاهد تأثيرا بالنسبة لي ومصداقا لذلك، إذ يكون المشهد واحدا دائما في كل المباريات، ففي الوقت الذي يبذل فيه اللاعبون أقصى جهود ممكنة في سبيل الاداء الجيد، الذي أنا على ثقة من انه سبقه ساعات وسنوات طويلة من التمارينـ، ويعلم الخالق وحده مقدار المعاناة التي يعانيها اللاعب ذاك في تلك الدقائق من عمر المبارة نتيجة الجهود البدني والعصبي، تجد المتفرجين سواء من داخل الملعب او أمام الشاشة، بالصورة ذاتها لا تتغير، ترى المرء منهم مسترخيا على كرسيه يفصفص المكسرات ويتلذذ بزجاجة المياه الغازية، ونظرة سخرية وغضب وحقد شبيهة بتلك التي رايتها على وجوه كلاب الحارة، ولسانه يقذف صواريخ من الشتائم البذيئة ويذهب البعض إلى ابعد من الشتائم فيلعن ويرفع يده للسماء داعيا بان تحل لعنة على ذلك اللاعب الذي اضاع الفرصة، او ذلك الفريق الذي هزم فريقه، واللاعبون ماضون في لعبهم، انه ذات المشهد يتكرر سواء مع مباراة كرة أو مباراة في الحياة، دائما هم الكسالى الفاشلون يجلسون على الكراسي الأمامية يرسلون قذائف الاحباط والتجريح وتثبيط الهمم، ودائما هم الناجحون المكافحون يمضون في الطريق وعلى وجوههم ابتسامة رضا غير آبهة لإدراكهم بان الكلاب لن تتوقف يوما عن النباح، ورحم الله صاحب هذه الحكمة: الكلاب تنبح والقافلة تسير، هي كذلك إذن الحياة مستمرة برغم النباح ورغم الصراخ

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

المحزن و المؤلم في الموضوع ان بعض هذه الكلاب التي لا تتوقف عن انباح يكونون اقرب الناس لنا و هدفهم فقط التخريب و التأثير السلبي على الآخرين، و لكن لتتخلص منهم دعهم ينبحون فإنهم لن يتوقفو و اغلق اذنيك اذا احسست بالازعاج و لا تنزل لمستواهم ، هذا اذا كانو يحسبو انهم مصنفون ضمن مستويات،

Unknown يقول...

غير معرف: كل اناء بما فيه يفيض و كل يرى الناس بعين طبعه، ذوي الخلق الرفيع يتعاملون معك بآخلاقهم و تربيتهم و يفسرون كل ما يصدر عنك بعين تربيتهم و أخلاقهم، و العكس مع غيرهم، و ان بعض الظن اثم، احيانا نستسهل كثيرا اصدار الاحكام على الاخرين دون حتى ان نمنح انفسنا معرفع الحقيقية فنتحول من مظلومين الى ظالمين..عيدك مبارك و تقبل الله طاعاتك

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
حب لنفسك ما تحبه لغيرك وكفى..مع هذا سيد الخلق محمد لم يسلم من القيل والقال .
الكلاب تنبح والقافلة تسير ابلغ تعبير عن حال الناس ربما اي إنتقاد يفسر على انه نباح للاسف حتى مع الحقائق الواضحة فدع القافلة تسير والكلاب تنبح...موفقين