24‏/06‏/2012

المرأة لا تُوَرث


في كل مرة يراني أخي أهم بالخروج من منزل العائلة بصحبة شقيقاتي الثلاث، في مشوار اعتدت أن أخصصه لهن من وقت زيارتي للعائلة، يقبل إلينا بسؤال تعودناه ونعرف نتائجه: لاشك أنكن ذاهبات للتسوق صحيح؟ ولن ينتظر الإجابة بل سيدخل يده في جيبه ويخرج ما تيسر له من مال يوزعه علينا بالتساوي! لا يكون المبلغ كبيرا بالنسبة لي كون راتبي أكبر بكثير من راتب أخي، ولكوني متزوجة من رجل يغدق علي بكرم، لكن ذلك المبلغ اليسير الذي يمد به إخوتي إلي خلال زياراتي للعائلة يعادل عندي كنوز الدنيا، وأفرح به كطفلة، ويثير فيّ مجموعة من المشاعر الممزوجة بالفخر والإحساس بالأمان، يعيدني إلى أيام طفولتي وأنا أقف أمام والدي متطلعة ليديه تخرج من جيبه بمصروفي الخاص، هذا على الرغم من أن جميع إخوتي يصغرونني سنا، لكنهم يتعاملون معي بحنان أبوي افتقدته كثيرا بوفاة والدي، لا شيء يعادل فخر المرأة بأخيها، ولا حب يعادل حبها له، وهناك قصة ماثورة عن امرأة أسر زوجها وأخوها وابنها، فذهبت لتشفع لهم عند القاضي خيرها أن تختار واحدا منهم فقط فاختارت أخاها بعد أن قالت عبارتها التي أصبحت حكمة متداولة: الزوج موجود والابن مولود والأخ مفقود، لهذا شعرت بالذهول وإحدى الحاضرات تصدمني بمداخلتها في أثناء محاضرة كنت استعرض من خلالها حقوق المرأة العمانية التي كرمها بها الدين الإسلامي الحنيف والقوانين في السلطنة خاصة فيما يتعلق بتملك المال والاستثمار والميراث، عندما فاجأتني بقولها إن المرأة العمانية لا ترث في كل الأحوال، مسترشدة بقصتها وشقيقاتها بعيد وفاة والدها، حيث اجبرهن شقيقهن ووالدتهن على التنازل عن نصيبهن في تركة والدهن للأم والشقيق بحجة انهن إناث، وأن أموال العائلة من حق الذكر وحده حتى لا تذهب لرجل غريب-أي أزواج الشقيقيات طبعا - ومضت تحكي لي تفاصيل هذه المأساة التي يبدو أنها تتكرر في كثير من البيوت العمانية، خاصة في العائلات الثرية، حيث تجبر الفتاة على التنازل عن ميراثها من والدها لصالح الأشقاء الذكور، كنت أستمع لمعاناتها وأنا مذهولة حقيقة إذ أنها المرة الأولى التي أعرف فيها عن هذا التقليد، كنت أعرف أن هذه من تقاليد الجاهلية التي نبذها الإسلام، حيث كانت المرأة في الجاهلية لا ترث وإنما تورث كالمتاع، فجاء الوحي لينبذ ذلك: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر، نصيبا مفروضا) أما أن يكون هذا التقليد ما زال قائما وفي بلد مثل السلطنة نفتخر فيها نحن النساء بأننا سبقنا نساء العالم في حصولنا على الكثير من الحقوق، في الوقت الذي ما زالت النساء في بعض دول العالم بما فيها الدول المتقدمة تصارع المرأة فيها من أجل حقوق أساسية كحقوق المساواة في الأجر مقابل العمل، فهو أمر لا أستطيع شخصيا استيعابه، كيف يمكن لرجل ان يستحل لنفسه ما شرعه المولى جلت قدرته للمرأة، مستغلا عدم استطاعة شقيقته الاعتراض أو حتى الشكوى خشية العار وإثارة غضب العائلة كما وضحت لي محدثتي التي وجدت نفسها وشقيقاتها بين خيارين أحلاهما مر فإما أن ترفض التنازل عن حقوقها الشرعية وتخسر ذويها، أو أن تقبل على مضض وتمضي بقية حياتها في حسرة، تجتر الألم والندم، وهي ترى شقيقها وأولاده ينعمون بأموال والدها فيما تعاني هي وأطفالها الفاقة إن لم يقدر لها المولى زوجا مقتدرا، في حالة صاحبة القصة فإن زوجها رجل بسيط يعمل في وظيفة متواضعة، لا يستطيع من خلالها حتى توفير المنزل الملائم لها ولأطفالها الخمسة الذين يعيشون في غرفة بمنزل والد الزوج، في الوقت الذي تعيش فيه والدتها في بيت العائلة الكبير ويمتلك الأخ عدة منازل موزعة بين البلد والعاصمة مسقط، لست أدري شخصيا كيف تغفو لهذا الأخ عين وهو يرى شقيقاته بهذا الوضع بينما ينعم هو وأولاده بهذه الرفاهية، وكيف للأم أن تسمح لابنها أن يقترف جرما بهذه البشاعة في حق فلذات أكبادها، وأي منطق أقنعت به نفسها سمح لها بأن تكون شريكة في جريمة كهذه، وكيف ينام لها جفن وهي ترى بناتها يعشن العوز وزوجة ابنها وابناؤه ينعمون بأموال والدهن، بأي حق وبأي ناموس وبأي شرع أحل هؤلاء لأنفسهم ما كتب الله سبحانه وتعالى لهذه المرأة وشقيقاتها، عوضا عن أن يكون أبا حنونا لأخواته، وعونا لهن على قسوة الدنيا ومرارة اليتم، يكون هو سببا في مضاعفة هذه المعاناة، أكتب هذه المقالة بناء على طلب خاص من تلك المرأة، لأمل ما زال يراودها بأن تيقظ كلماتي شقيقها – وهو ما أتمناه أنا أيضا- الذي استحل لنفسه، حق أقرب الناس له، المرأة التي لن يجد في الوجود كله من تحبه كما تفعل، وتفخر به كما تفعل، وتخاف عليه كما تخاف هي عليه (أخته

هناك تعليقان (2):

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
لاحول ولا قوة إلا بالله..
ظلم هل يرتضاه الاخ لنفسه بأن يسلب حق من حقوقه..؟!قطعا لا إذا هي الجاهلية والعرف الذي حل محل الدين في التشريع
حزيتم خيراً بطرحكم لمثل هذه القضايا

Unknown يقول...

للاسف البعض يرتضيها أخي علي، شكرا لمتابعتك