من الذكريات التي لا تفارقني من سنوات طفولتني الأولى في (السنينة) التي أعجز حتى هذه اللحظة عن إدراك السر في بقائها عالقة في ذاكرتي كل هذه السنوات، صورة جدي وهو يحمل (دلة القهوة) متجها إلى مسجد البلدة عصر أحد الأيام كعادته كل يوم، حيث صادفه غصن شجيرة برية ذات اشواك ألقت بها الرياح في طريق المصلين، فانحنى جدي العجوز والتقط ذلك الغصن ومشى مسافة منحرفا عن طريقه ليلقي بها جانبا، اليوم أتساءل: إن كان حرصي البيئي له علاقة بتلك الحادثة، أو بنشأتي البدوية في سيوح السنينة، التي علمتني ضمن ما علمتنيه حب الحيوانات وحسن معاملتها، حيث كانت الحيوانات في طفولتي تحظى بمعاملة أفضل من معاملتنا نحن الأطفال من الكبار، الذين طالما برروا حبهم لها وحرصهم عليها بعبارة (هذه بهيمة لا حول لها ولا قوة)، تعلمت من تعلق الكبار بشجيرات النخيل والليمون - الاشجار الوحيدة التي كانت تجود بها أرض السنينة القاحلة - بأن الأشجار أيضا مثل الحيوانات لا حول لها ولا قوة، أتذكر عندما كانت جدتي تقول لنا بأن لا نقطف الياسمين ليلا حتى لا نفسد نوم الشجرة، فبعد غروب الشمس، علينا التزام الهدوء التام (لأن الليل ليس لنا)، أستذكر هذه الأحداث اليوم والعالم يحتفل بيوم البيئة العالمي الذي صادف الخامس من الشهر الجاري، وأقرأ تعليقات البعض حول مشاركتنا في ساعة الأرض بأن هذه المناسبات (بدعة)، وتقليد أعمى للغرب، ناسين أو متناسين اننا سبقنا الغرب بقرون في اهتمامنا بالبيئة الذي هو في الحقيقة واجب ديني قبل ان يكون وطنيا، دعا إليه المولى جلت قدرته في عدد لا يحصى من الآيات القرآنية، وكان منهاج حياة المصطفى صلوات الله عليه الذي علمنا بأن الهدف من خلقنا في الأساس هو لنكون خلفاء لله على هذا الكوكب، ومن أجل تولي هذه الأمانة التي عرضها على السماوات والأرض فأبين ان يحملنها، سخر لنا سبحانه الكون بأكملة، وخلق لنا السماوات والأرض وما بينهما، وميزنا بالعقل عن بقية مخلوقاته التي سخرها لنا وجعلها لنا ذلولا، كل ذلك يشعرني بالمسؤولية تجاه هذا الكوكب وما عليه، بحكم دوري كخليفة لله على هذه الأرض، واقل ما يمكن أن نقوم به كأفراد هو ان نحافظ على هذه الموارد التي أمرنا المولى ان نستغلها دون اسراف، حيث قال عز وجل (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، وشرح المولى سبب عدم حبه للمسرفين لكون الاسراف صفة الشياطين، (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)، هي إذا ليست فكرة غربية، وإن كان الغرب قد بدأ يسوق لها ويتبناها بعد أن ابتعدنا نحن عن تطبيق روح الدين، وانشغلنا بمناقشة امور تزيد في تراجعنا وانقسامنا، عوضا عن التركيز على البناء والتعمير وخدمة الانسانية، أحدهم كتب على صفحته في الفيس بوك - معترضا على مشاركة السلطنة بساعة الأرض - بان للأرض رب وهو كفيل بحمايتها، مما يعني أننا غير مطالبين بأن نشغل انفسنا بالاسراف في استخدام الكهرباء والمياه وغيرها من الموارد لكننا في الحقيقة امرنا من قبل رب الكون بأن نستخدم هذه الموارد دون اسراف، رغم علمه جلت قدرته بأنه القادر على حماية التوازن في هذا الكون، فقال عز من قائل: }وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ{، وضرب لنا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه المثل في الحديث النبوي فقد مر عليه السلام بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال له: (لا تسرف)، فقال: أو في الماء إسراف ؟ قال: (نعم وإن كنت على نهر جار)، هي إذا ليست قيم غربية صدرت لنا بل هي تعليمات سماوية نزلت علينا وحيا عن من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، مما يتوجب علينا أفرادا وجماعات ان نجعلها سلوكا في حياتنا اليومية، من منطلق دورنا كخلفاء لله على هذا الكوكب، ومن منطلق الواجب الوطني والانساني، ولو قام كل منا بدوره في ممارسة دوره تجاه البيئة المحيطة بهن واستخدم مواردها باعتدال، واحترم حق المخلوقات الأخرى بالحياة على هذا الكوكب، عملا بهذه الاية }وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُورا{ لأصبحت هذه الأرض جنة، ولو التزم كل فرد فينا باحترام حق المخلوقات الأخرى من خلال اتباع النهج النبوي فقط الذي علمنا (إماطة الأذى عن الطريق صدقة)، من خلال الرفق بالحيوان والحفاظ عليها من الهلاك والتعذيب قال صلى الله عليه وسلم: (ودخلت امرأة النار في هرة أوثقتها فلم تطعمها ولم تسقها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض)، وغيرها العشرات من الأحاديث النبوية الشريفة والايات القرانية التي تشعرني بأن الحفاظ على البيئة فرض جاء مكملا لدور الخلافة الذي اناط به المولى للانسان، الذي لو قام به كما ينبغي له لما كانت هناك حاجة لتخصيص يوم للبيئة نذكر بها انفسنا تقصيرنا وإخلالنا بهذا الدور السامي
هناك 3 تعليقات:
وجدت هنا مالم اجده في في اي مكان اخر ، تقبليني متابع جديد .
متاهات: مرحبا بك متابعا وصديقا و قارئا عزيزا، تشرفت الصفحة بمرورك
سلام عليكم..
خلافة الله، مسؤلية عظيمة وشرف لا يضاهيه شرف.
للاسف حصر البعض مفهوم الاستخلاف فقط في اداء بعض الطقوس الظاهرة دون التفات للإنعكاس الايجاب على حياته وبيئته لهذه الطقوس.
الله الحكيم حسن التدبير ، صفات يجب ان يحرص الانسان تلمسها في سلوكة بإعتباره خليفة الله.
من تجليات هذه الحكمة المحافظة على الطبيعة واستغلالها بالشكل الامثل ،لكن البعض ممن يدعون التدين يجهلون قيمة هذه الموارد الطبيعية ولا يحرصون على الحفاظ عليها،ما نحتاجه هو فهم صحيح لقيم الدين التي ابداً لا تتعارض مع القيم الانسانية بل هي بعينها ، انما الاختلاف يقع او وقع في كيفية تجسيدها.
حتى يإذن الله بقراءة استخلاف جديد كونوا لله بخير استخلاف
إرسال تعليق