03‏/06‏/2012

الشاعر بن مهيلة

في مثل هذا اليوم من عام 1998 فقدت رجل حياتي، شاعري الوسيم، الذي كان وحده قادرا على جعلي اشعر بأنني أجمل النساء، وحده القادر على انتزاع الضحكة مني في أحلك لحظات حياتي سوادا، بابتسامته الساحرة التي تميز بها، والتي لم أجدها في رجل بعده، و ضحكته الطفولية التي كانت تجبر أشد الشخصيات جدية أن تجاريه فيها، و روحه العذبه التي كانت تجعل منه مغناطيسا بشريا يجذب من حوله بطريقة أشبه بالسحر، كان وسيما للغاية ، و كان محاطا بالمعجبات اللائي كن يثرن حفيظتي منذ أن كنت طفلة صغيرة، فقد كان شاعري وحدي، و حبيبي وحدي و أردته أن يكون كذلك العمر كله، إلا أن القدر كان لي بالمرصاد، لم تأخذه امرأة مني بل انتزعه الموت على حين غره، وهو في عز شبابه و قمة عطائه، رحل فجأة  بدون حتى أن يمنحني فرصة لالقاء نظرة وداع أخيره على وجهه الوسيم، و أحظى منه بابتسامه أخيرة أتزود بها للسنوات التي تلي غيابه، مرت سنين طويلة، وأنا انتظر ألم غيابه أن يتلاشى، اذ أن الكثيرون قالوا لي بأن الأيام ستكون كفيلة بأن تجعلني أنسى، لكن هذا الالم يزداد مع طول الغياب، قبل سنة صدر له ديوان بمناسبة ذكرى وفاته، بقدر ما كنت سعيدة بالديوان بقدر ما شعرت بأن الديوان فتح جرحا غائرا في روحي ما زال ينزف، توافد المعجبين و الاتصالات التي انهالت علينا من كل حدب وصوب، تطلب نسخ من الديوان الذي نفذ بسرعة من المكتبات، أعادت ذكراه بقوة، تمنيت لو كان والدي حاضرا تلك اللحظة، و شاهدا على التاثير الذي تركه في متتبعي أعماله، وفي كل من عرفه، تمنيت اكثر لو عاد للحياة لحظة واحدة لا أكثر، لأعبر له فيها عن مقدار حبي له، و إلى اي حد فخورة أنا به و بالاسم الذي منحنيه، أمنية لطالما راودتني خلال السنوات الماضية، و لعلها كانت وراء التغيير الكبير الذي حدث في شخصيتي، و اسلوب تعاملي مع من حولي، أدرك أن الكثيرون ممن حولي تثير تساؤلاتهم كتاباتي المتفائلة، و اتجاهي مؤخرا إلى تحفيز من حولي سواء من خلال المدونة، هذا العمود، المحاضرات أو حتى تعاملاتي اليومية مع من حولي، إذ لم أعد ابخل على من حولي بكلمة شكر يستحوقنها مني، أو تعبير بالامتنان و الحب، فقد ادركت إلى اي مدى الحياة قصيرة فعلا، و إلى اي حد نتغافل عن الاستمتاع بعلاقاتنا مع من نحب، و أنا أرى مظاهر الاحتفاء بديوان والدي، و الكلام الذي كان يقال و يكتب عنه تمنيت لو أنه كان بيننا، فقد كان والدي أحوج لمظاهر الحب هذه من معجبيه و اصدقائه في حياته، فقد عاش يزرع الحب، وينشر الابتسامة على الوجوه، لكن للأسف فهذا هو شأن الدنيا فنحن لا نحتفي بمن نحب إلا بعد ان نفقدهم، أمر نراه كل يوم في وسائل الاعلام من حولنا عندما تعلن وفاة أحد مبدعينا، تكثر مقالات التابين و النعي و استعراض مزايا و ابداعات الفقيد، حتى اؤلئك الذين لم يعرفوا بوجوده تجدهم فجاة وقد ملائوا صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات تمجيد الفقيد، لذا ربما يكون حرصي و اصراري على التعبير عن مشاعري لمن حولي، و تحفيز من يحتاج للتحفيز و شكر من يستحق الشكر، عائد إلى ادراكي لهذه الحقيقة، لا اريد ما حدث مع والدي ان يتكرر مع المحيطين بي لا أريد ان اؤجل  التعبير عن امتناني لوجودهم في حياتي حتى أفتقدهم فحينها لن يسمعوني وحينها قد لا يكونون بحاجة الى التعبير عن مشاعري، هم يحتاجونها اليوم، هذه اللحظة بالذات فلا تتوجسوا مني خيفة، ولا تسيئوا الظن بكتاباتي لا أريد منها سوى نشر مساحة من الأمل، فأنا انسانة حالمة ذات قلب حالم اقنعني بانني استطيع أن اصنع فرقا في حياة من حولي مهما  كان حجم ما اعمل صغيرا ولا يكاد يذكر، لقد زرع والدي الكثير من الحب و الامل و نشر الابتسامه على كثير من الوجوه وما زال و سيظل لفترة طويله قادمة بفضل ما ترك من نتاج فكري و من سمعه طيبة، نا ابنة رجل عاش يزرع الفرح و الابتسام، وما زال بعد ما يزيد عن العقد على وفاته تنثر كلماته الحب، و إن كان أغلب العمانيون لا يعرفونه، شأنه في ذلك شان الكثير من مبدعينا الذين اشتهرت أعمالهم خارج حدود الوطن الذي لم يعرفهم، ذلك ان عمان لم تعرف صناعة النجوم يوما، ولم تجد الاحتفاء بمبدعيها في كافة المجالات، فعلمتنا الابداع في صمت، و الموت في صمت ايضا..

هناك تعليقان (2):

خلفان الحجي يقول...

جميل ما خطت يداك
تمنياتي لك بتحقيق حلمك
وفقك الله

Unknown يقول...

شكرا جزيلا لك