20‏/05‏/2012

زلة لسان


للكلمات تأثير مذهل على المستمع، سلبا أو إيجابا فلطالما نشبت حروب راح ضيحتها الالاف من البشر و نتج عنها خسائر مادية فادحة عبر القرون، ولطالما احيت كلمات امم، وبنت حضارات و قامت عليها نهضة بلدان، و لعل الكلمة التي قالها الرئيس الأمريكي جون كينيدي في خطابه الشهير (لا تسأل مالذي تستطيع بلدي أن تعطينيه، بل مالذي استطيع أن أعطي لبلدي)، و قد اسست هذه العبارة لمرحلة مهمة من تاريخ ما بات يعرف ب (الحلم الأمريكي) و كذلك عبارة (لدي حلم) التي نطق بها مارتن لوثر كينج والتي كانت الشعلة التي اضاءت رحلة تحرير الأمريكيين من اصول أفريقية، الكلمة هي أقوى تعبير عنك، هي التي تدخلك القلوب، وهي التي تخرجك منها، فلطالما سحر البعض بمظهر شخص عرفوه عن بعد، ثم ما لبثوا أن فقدوا كل احترام له، من الوهلة الأولى التي نطق فيها، لذا قال الحكماء (لسانك حصانك ان صنته صانك)، و الكلمة هي التعبير الأصدق عنك وعما يجول بخاطرك، لهذا أجد إعتذار البعض ممن يبرر خطأئه بأنها (زلة لسان) غير مقصودة، و وهو عذرأقبح من الذنب،  إذ أن فيه تقليل من شأن الكلمة، و الأقبح عندما ندعي بأن الخطأ صدر منا بحسن نية، وأن قلوبنا طيبة في الأصل و أننا لم نقصد الاساءة، فقد كانت مجرد (زلة لسان) ، ونستغرب كيف أن الطرف الاخر أخذ الموضوع بجدية ولم يقدر (صفاء سرائرنا) غافلين عن أننا كبشر لا نستطيع أن نحكم على الاخرين بالنوايا الحسنة لأننا ببساطة لايمكن بأي حال من الأحوال أن نعرف بحسن النوايا، لأن الخالق جلت قدرته حجب علم الغيب عنا، لهذا يحق له وحده جلت قدرته أن يحاسبنا على النوايا عندما يقول جل من قال على لسان نبيه الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى : (إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرؤ ما نوى) لأنه سبحانه يعلم السر و ما أخفى، أما نحن بني البشر بدون استثناء لانملك هذا العلم لذا علينا بالظاهر،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم)،و الظاهر هو (الكلمة) لكونها انعكاس لما في الضمائر، والعقول أيضا، فالكلمة هي التعبير الحسي للفكرة، أو هي الوسيلة التي تظهر بها الفكرة للوجود، من خلال انتقالها عبر الأثير على شكل موجات صوتية، لتصل بدورها إلى متلقيها عن طريق السمع، و الافكار قد تتبلور إلى أفعال مباشرة عوضا عن الكلمات، ذلك ان هذه الأفعال ليست سوى محاولة الفكرة للتعبير عن ذاتها في شكل ظاهر ومحسوس، كما يضعها الكاتب الأمريكي تشارلز هانل في كتابه الرائع (المفتاح الرئيسي)، لذا يتوجب الحذر في اختيار الكلمات، بحث لا يصدر عنا إلا الكلمات البناءة،  بحيث لو تبلور هذه الكلمات على شكل أفعال تكون هذه الأفعال بناءة، إنها الكلمات ووحدها الكلمات التي تعبر عما يجول في اذهاننا و ضمائرنا من مشاعر و أفكار،لهذا فإن (زلة اللسان) عذر غير مقبول، إذا نظرنا للكلمة من هذا المنطلق، هي بالنسبة لي فكرة خرجت كما هي دون تنقيح، فخرجت نقية صادقة رغم بشاعتها في بعض الأحيان و كم الالم الذي سببته للمتلقي، فلو أعطى صاحبها نفسه للتفكير لثوان معدودة قبل أن يخرجها لكان اتاح لنفسه فرصة (تغليفها) بغلاف جميل يجعل به وقعها على النفس اخف ليس إلا، مصداقا للمقولة الشائعة (كلمة الصدق تسبق) ، هي إذن اخطر من أن تكون مجرد (زلة لسان)، بل هي انعكاس آني و مباشر لما يجول في خاطر المرء من أفكار في تلك اللحظة، و هذه القدرة على تنكر الأفكار على هيئة كلمات هي التي تشكل الفرق بين الانسان و غيره من المخلوقات، هي التي بنت حضارات الأمم عبر التاريخ، فمن خلال الكلمات التي كتبت تمكن الانسان عبر العصور من العودة إلى العصور و القرون الماضية، و الاطلاع على نتاج أعظم مفكري و أدباء تلك العصور ، والاستمتاع بانتاجهم و الاستفادة منه، لأن الاختراعات التي نراها اليوم لم تنشأ من فراغ أو من الصفر، ولكنها نتاج بحث و تجارب قرون طويلة من التجارب الانسانية الثرية، التي ماكان ممكنا لها أن تصل بدون قوة الكلمة،ذلك أن الكلمة هي أقوى اشكال الأفكار التي تظهر بالصورة التي نمنحها إياها، الكلمة قد تتحول إلى مكان ذهني يبقى للأبد، أو هباء منثورا مع أول نسمة عابرة، ممكن أن تطرب الأذن و تمتع العين، شعرا و غناءا و زخرفة فنية، ممكن أن تصبح كنوزا للحكمة، لكن جمال الكلمات ينبعث من جمال الأفكار، و كذلك تنبع قوة الكلمة من قوة الفكرة التي تقع خلفها، و أتذكر في هذا الصدد جملة جميلة كان مشرفي منتدى (فرق) يضعونها اسفل صفحات المواضيع مفادها: (إحرص على ما تكتب فإنه يعبر عنك) وقد أخذت تلك العبارة معي و ما زلت استحضرها كل مرة فكرت فيها في الكتابه رغم إغلاق ذلك المنتدى منذ فترة طويلة...

هناك تعليقان (2):

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
ما يعبر عنه بزلة اللسان تعبير صادق بلا شك.
المهم هو كيف اتعامل مع هذا الحقيقة ، هل اكتفي بالخصومة او الرد بالمثل ؟ تعاملي يجب ان يلحظ ظرف القائل من حيث المناسبة والداعي للقول .
تعاملي كمتلقي للاساءة يجب الا يخرجني من حسن النية في التعامل مع الزلة، يحب ان تكون ردت الفعل تعبير للاصلاح. اصلاح من صدت منه الاساءة وإصلاح ذاتي ان وجد تقصير وتدارك الخلل..
حتى يإذن الله بوقفة تأمل اخرى كونوا بخير أمل وعمل

Unknown يقول...

أكثر من أنها زلت لسان هي نقص عقل و حكمة اخي الكريم....لسانك حصانك غذا صنته صانك دلالة على أننا نملك التحكم في هذا اللسان
كن بخير