|
تلقى جواد الملك الأصيل الفائق الجمال و الرشاقة حذوتين ذهبيتين مكافأة له على بسالته في المعركة التي عاد منها الملك للتو، والتي أنقذ من خلالها الملك من موت محقق، لكن هذا التكريم أغضب خنفساء الروث الذي كان يشاركه الإسطبل، فقد رأى أنه أحق بالتكريم من الجواد الكسول الذي لا يجيد حتى إطعام و تنظيف نفسه، فخرج غاضبا من الإسطبل غير قادر على احتمال الجحود، في طريقه عبر حديقة القصرمر على يرقة فراشة معلقة في غصن شجرة وسمعها تردد: ياه كم أتوق لأن يصبح لي جناحان أطير بهما عندما أصبح فراشة جميلة مكتملة النمو، فرد الخنفس: أتحلمين بأن تكوني فراشة جميلة أيتها الدودة القبيحة، هذا مستحيل، ثم تركها و أكمل طريقه عندما سمع بعض العصافير تحلق من غصن إلى غصن مغردة: يا لله كم هو بديع هذا البستان! و كم هو منعش نسيم هذا الصباح! ثم ما أجمل رائحة الأزهار هنا! فرد عليهم: يالكم من عديمي الذوق، أين الجمال في هذا البستان؟ وأين هو من إسطبل الملك الذي كنت أقطن فيه؟ إني لا أرى قطعة روث واحدة. وعندما لم ترد العصافير أسوة باليرقة تركها و رحل، ثم بدأت السماء تمطر فأوى إلى ورقة شجر قريبة من جدول الماء الذي يقطع الحديقة الملكية حين سمع ضفدعين يتناجيان: كم هو جميل جو بلادنا الممطر الذي يكاد يحول كل الأرض إلى بحيرات! فصرخ فيهما غاضبا: أي جمال تريان في مطر يجعل الأرض موحلة و يذيب الروث في طريقه، استشاط غضبا عندما لم ترد عليه الضفدعتان و قال: لن أتحدث إلى أحد بعد اليوم فالجميع يتجاهلني، إن كبريائي لا يسمح لي بإهانة نفسي أكثر من كذا، طار بجناحيه إلى حيث لا يلوي على شيء من شدة الغضب وحط مرة أخرى على ظهر جواد الملك، عندما لاحظ ذلك و بعد أن هدأ غضبه نظر إلى ما حوله مختالا ثم قال: يالي من غبي، الآن فقط عرفت لماذا استحق الجواد حذية ذهبية، هذا لأني أنا خنفساء الروث العظيم سأمتطيه. يمثل خنفس الروث في حكاية الأديب الدانمركي الشهير هانز كريستيان اندرسون فئة النرجسيين و السلبيين الذين يحيطون بنا خاصة في بيئة العمل، هؤلاء النرجسيون لا يتنافسون بالتفوق على الآخرين و إنما بتدميرهم، و الحط من قدرهم و تسفيه آرائهم. أكل الحسد الخنفس عندما رأى الجواد يلبس الخذوة الذهبية، حسدا أعماه عن رؤية مزايا الجواد و جماله وسمو إنجازاته، و عيوبه هو و دوره الحقيقي في هذا الإسطبل، كما الخنفس نغضب نحن إذا تجاوزتنا الإدارة في الترقية أو المسمى، نتهور حينها و نهاجم، و نبدأ في السب و الذم، و إلقاء الاتهامات على من حولنا، دون أن نعطي أنفسنا فرصة لتقييم الوضع بمصداقية، وكما الخنفس يعجز السلبي عن رؤية الجمال و مقومات النجاح في الآخرين أو البيئة المحيطة به، فالبلاد حارة، والمكاتب كئيبة، و المدير العام جبار، و مدير الموارد البشرية ظالم ومتحيز، و النظام فاشل، وهلم جرا، وحده السلبي على صواب ووحده من يفقه الأمور ووحده الكفء ومن حوله لا شي. حتى فشله ليس هو المسئول عنه دائما هناك من يلام على ذلك، حتى اليرقة المسكينة لم تسلم من إيذاء الخنفس و استكثر عليها الحلم، و كأن الخنفس تنقصه العيوب ليضيف إلى نفسه عيب الغرور و العنجهة، فعندما لم يرد على تعليقاته أحد قرر ألا يكلم مخلوقا أبدا، وعندما حط على رأس الفرس بلغت نرجسيته ذروتها فقد فسرت له نفسه المريضة بأن السبب الوحيد الذي استحق الجواد بسببه التكريم هو أنه هو خنفس الروث سيمتطيه، و في القصة عبر أخرى بلا شك سأدع لك عزيزي القارئ أن تستنتجها و تبحث فيها عن دروس أخرى، فهذا هو الجمال في الحكايات الأسطورية كهذه... مليئة بالعبر. |
هناك 4 تعليقات:
حكاية أدبية بها معني وحكم كثيرة ..
وما لفت نظري منها .. أن المغرور لا يشبعه غروره إلا إذا أخذ وأخذ وهو في قرارة نفسه يعلم أنه أخذ أكثر مما يستحق .. وزاد .. عندها فقط .. قد يتوقف غروره عن الغرور ويبدأ في الندم والحسرة وتأنيب الضمير ..
تحياتي لك .. وتقلبي مروري
صباح الورد
قصة عجيبة مطابقة للواقع
تصلح أقراها بالدوام
;)
شكرا على البوست الممتاز
المجهول
مي
يوميات شحات
شكرا للمرور الكريم، و وقاكم ربي شر الغرور و المغرورين
إرسال تعليق