26‏/10‏/2009

اليقظة

لم أفهم ما حدث معي إثر وفاة والدي، إلا بعد سنوات حين بدأت أبحث عن الأجوبة في كتب تطوير الذات، جاءني الشرح على لسان، إليزابيث كبلر روس و هي أشهر من كتب عن الموت،تقول روس أن الإنسان يمر بعدة مراحل عند الصدمة هي: الانكار، الغضب، الاكتئاب ثم تقبل ما حدث، عندما أدركت ذلك و استطعت تشخيص علتي بدأت مرحلة العلاج التي تحدثت عنها في بداية هذه المدونة، عندما اشرت لها بظرف شخصي، فأنا أدركت متأخرة بأنني لم أبك على والدي كما توقع الجميع مني، من خلال معرفتهم بشخصيتي العاطفية و الحساسة إلى أبعد الحدود، و تعلقي بوالدي، أخذت وفاته وكأنها أمرا عاديا، حتى وأنا أرى زوجي ينهار أمامي، وكانت المرة الأولى التي أرى فيها رجلا يبكي هكذا، لم تهتز لي شعرة، لم أستطع أن أقنع نفسي بأن والدي يمكن أن يموت..

ثم شعرت بغضب جارف تجاهه، شعرت بأنه غدر بي عندما ذهب و تركني و أنا في أشد الحاجة إليه، كأنه لم يصدق أن يزوجني ليتركني لرجل آخر ثم يرحل، شعرت بالغضب لأنه كان مازال شابا، شاعرا مشهورا ووسيما، كانت الحياة مازالت أمامه واعده بكثير من الأحداث السعيدة، أنظر إلى أخوتي الصغار فيزداد غضبي عليه، لأنهم لن يتسنى لهم معايشته، و مصاحبته، لن يتسنى لهم سماع ضحكته الطفولية الرنانة، عندما أصرخ فزعة وهو يضع لي قطة ثلج في قميصي من الخلف وأنا غافلة، أو يأتي بحشرة يلقيها أمامي في غفلة مني، يركض خلفي كطفل في فناء البيت، ولا يتركني قبل أن يأخذ متعته من إفزاعي، لن يجرب الصغار منهم الشعور عندما يروا نظرات الفخر في عينيه عند كل إنجاز صغير لأحدنا، فيزداد غضبي عليه.

فأنغمس في المرحلة الثالثة وهي الاكتئاب والتي استمرت معي سنوات من اللامبالاة و الإهمال و التقوقع على نفسي، لم يعد لدي رغبة في العمل لان من كنت أعمل لإسعاده قد ذهب، لم أكن قادرة أن أضع عيني في عين أحد من إخوتي لأنهم يذكرونني به فابتعدت عنهم، حنان زوجي علي و مبالغته في الاهتمام بي و رعايتي نفرني منه، فسرتها بأنه يحاول أخذ مكانة والدي في حياتي، وهو حق لن أسمح لمخلوق بأن يفكر فيه، أهملت صحتي و شكلي لأن لا أحد برأيي يهتم بجمالي، وحده أبي كان يشعرني بأنني الأجمل، عندما ألبس ثوبا جديدا كان يمطرني بوابل من كلمات الإطراء تحفزني على أن أبدو أجمل المرة القادمة..

ما كان ممكنا أن أفهم ما يحدث لي، لأني لم أعتقد بأن جسدي و عقلي سيخالفانني و يحزنان على والدي دون إذن مني، لم اكن أعتقد بأن الاكتئاب يمكن أن يتسلل لحياتي، فأنا قوية انا بنت أبي الشجاعة التي كان يقول بأنها بألف رجل، و الاكتئاب و الحزن للضعفاء فقط..

هكذا عندما تقبلت هذه الحقيقة، وللمرة الأولى منذ وفاته أستطيع أن أنظر إلى صورته، أخرجت الصورة التي سبق لزوجي أن كبرها ووضعها في إطار أنيق ليزين بها الصالة، فنزعتها و أخفيتها جبنا من مواجهة ألمي، تلك الليلة أخرجت الصورة، و شريط صوتي لإحدى قصائده التي أحبها، نظرت إلى صورته مطولا و بكيت..بكيت كما لم أبكي من قبل..بكيت و كأنني عرفت للتو بأنه مات، و عبرت له عن غضبي مما فعل، و ألمي لفراقه، وشوقي له،طلبت منه أن يسامحني، و أخبرته بأني بدوري سامحته، و بأني أحبه حبا لا استطيع أن أحبه لإنسان آخر، و انه بطلي، و شاعري الوسيم، و أنه أعظم اب أنتجته البشرية، و انه ابي وحدي..

فتحت قلبي للحب من جديد، و بدأت أتقرب من إخوتي الذين سعدوا بتقربي منهم، و لأول مرة أدرك و أنا أراهم مجتمعون على شواء العيد، أنه ترك لي شيئا منه في كل واحد منهم، وأنه أصبح لي عدة أباء، فرغم كونهم جميعا أصغر مني، إلا أنهم حنونين إلى أبعد الحدود، يمتلكون صفاته كلها بتفاوت، خفة دمه، و طيبة قلبه، و بساطته، و حبه للحياة، ووسامته و رجولته، أنظر إليهم اليوم واشعر بأنه ترك لي الكثير فيهم، وفي أخواتي الثلاث، اللائي يشعرنني كل يوم بأن لدي الكثير لأعيش من أجله..

هناك 5 تعليقات:

احمد العبرة يقول...

اسال الله ان يجمعكم على المحبة والرضى
اعجبتني شخصية اباك
دمت اختا ورفيقة ...

فتاة الخواطر يقول...

يا رب أغفر له واغفر كل الآثامي
وأرحم وأنته الرحم أبوي عز لرجالي


أبكيتني بحق .. غفر الله له وجعل مثواه جنات الفردوس الأعلى ..

قرأتكِ هنا بعد زمن طويل لم أكن فعلاً أعلم من أنتِ؟

تحياتي لك
^_^

Unknown يقول...

تشرفت بزيارة شاعرة رقيقة مثلك يافتاة الخواطر لمدونتي..

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
ما شاء الله صادقة في مشاعرك وردات فعلك وتمتلكين الشجاعة بقول الحق وفعله حتى لو على نفسك..
اتمنى بأن تسمحوا لي بالمتابعة والتجوال فيما كتبتموه من تجارب وعظات نافعة ، كما ارجو أن لا تكون التعليقات مصدر إزعاج واذية خصوصاً ما يتعلق بها بالجانب الشخصي من سيرتكم .
حتى يأذن الله بقراءة تجارب وعظات كونوا بخير عظة ودين

Unknown يقول...

علي موسى
أتشرف دائما بمتابعتك، و أتمنى فعلا أن تجد في تجاربي المتواضعة شيئا من الفائدة و قليلا من المتعة..شكرا جزيلا لك