01‏/09‏/2009

لا عزاء لطيورك يا جدتي الغالية




 


وأنا أحضر عزاء جدتي لوالدتي لفت إنتباهي بأن المعزين كانوا جميعا تقريبا يرددون ذات العبارات: أحسن الله عزاكم في أمي..أو عظم الله أجركم في أمي)، فهي رحمة الله عليها كانت أما للجميع، و قد كسبت هذه الصفة بحنانها الذي لم يكن يعرف حدودا، وحبها غير المشروط، و عطائها و كرم أخلاقها، مع كل المخلوقات بما فيها الحيوان و النبات، فقد لاحظ المعزون معي كيف كان سرب من الطيور، يتردد على فناء بيت خالي الذي أقيم فيه العزاء، و قد فسرت لنا إحدى خالاتي بأن هذه الطيور هي رفيقة جدتي جاءت للبحث عنها، فقد كانت رحمة الله عليها تخرج بعد صلاة الفجر كل يوم إلى فناء المنزل، كونها كانت تكره كتمة البيوت العصرية، هي البدوية حتى الصميم، والتي عاشت أغلب سنوات عمرها في الصحراء، تخرج للفناء تتفقد شجيراتها، و تستمتع بدفء الشمس، ثم تجلس على الحصير الذي يفرش لها في ذات المكان يوميا، تفت الخبز للعصافير التي تأتي كل صباح لتتناول فطورها معها، و عندما جاء الصيف اصر خالي عليها بأن تتناول إفطارها في الدار، خوفا عليها من الحر، في اليوم التالي جاءت الطيور فلم تجدها، فأحدثت ضجة كبيرة و بدأت في البحث عنها حتى إهتدت إلى شباك غرفتها، و طرقت زجاج الشباك مطالبة بالدخول، وهكذا كان، رغم إعتراض أهل البيت من أنها ستوسخ المكان.

أثناء العزاء تولت أصغر خالاتي المهمة نيابة عنها، وعندما كان البعض يسألها و هي تفت الخبز عما تفعل، كانت تجيب: أطعم رفقاء والدتي، شعرت بالأسى وانا ارقب هذه الأحداث كوني لم أحظى بصحبة جدتي كما حظي بها أفراد اسرتي بسبب تغربي للدراسة و من ثم العمل، لكن وفاتها قربتني منها بشكل لم أكن أتصوره، و جعلتنا كأفراد عائلة أكثر قربا، و أتاحت للجميع معرفتي عن قرب، والأكثر من ذلك تعلمت قيمة العطاء و الحب غير المشروط، فجنازتها كانت ملهمة، و عزائها كان درسا لنا جميعا، بإدراكنا أن الحب و الذكرى الطيبة التي نتركها هي ما سيبقى بعدنا، و جعلتني ربما أكثر إصرارا من أي وقت مضى على ترك ذكرى طيبة بعدي، فرحمة الله عليك يا جدتي، وتغمد روحك الطاهرة بواسع رحمته..


هناك تعليقان (2):

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
يفوت الكثير منا بأن يترك صدقة جارية تنفعة دنياً واخرة ، ولا افضل من الخلق الحسن صدقة جارية للانسان، فهو ينعم بالسعادة في حياته وبالذكر الحسن بعد وفاته .من الخلق الحسن العطاء بلا حدود أن امكن على كل من حولنا من بشر وحيوان ونبات ، والعطاء هو شعور قبل ان يكون عطاء تختلف صوره وتتوحد مزياه في خلق رضا الله و اسعاد خلقه... رحم الله صاحبة الذكرى وتقبل الله منها ومنا صالح العمل.
حتى يإذن الله بقراءة صدقة جارية اخرى كونوا بخير

Unknown يقول...

الله يرحم امواتنا و اموان المسلمين يارب